ثم أراد أن يمثل للآيات ويمثل للمخلوقات فقال المصنف: ( {وَمِنْ آيَاتِهِ} ) ، ( {وَمِنْ} ) هذه للتبعيض يعني من أعظم آياته التي تدل على الرب جل وعلا وتعرِّف العبد بخالقه جملةً يعني معرفةً إجمالية ( {وَمِنْ آيَاتِهِ} ) أي المشاهدة بالأبصار ( {اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ} ) ، ( {مِنْ آيَاتِهِ} ) هذا خبر مقدم، و ( {اللَّيْلُ} ) هذا مبتدأ مؤخر، ( {وَمِنْ آيَاتِهِ} ) المشاهدة بالأبصار ( {اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} ) ، (وَمِنْ مَخْلُوقَاتِهِ) من للتبعيض كذلك، أي من أعظم مخلوقاته التي تدل على خالقها جل وعلا (الْسَّمَوَاتُ) يعني سعتها وارتفاعها وهي سبعٌ كما قال المصنف هنا، (وَالْأَرَضُونَ الْسَّبْعُ) كذلك هي سبعٌ وثابتٌ في الكتاب والسنة وإن لم يكن في الكتاب نصًا والأرضون السبع امتدادها وسعتها (وَمَنْ فِيهِنَّ) من المخلوقات العظيمة كالجبال ومما لا يعلمه إلا الله عز وجل، (وَمَا بَيْنَهُمَا) كذلك، إذًا مثل لهذين النوعين بالليل والنهار والشمس والقمر والسماوات السبع والأرضين السبع، فكلها عند التأمل والتدبر تدل على أن هذه المخلوقات وهذه المصنوعات تدل على خالقها جل وعلا، إذ ليس من قدرة المخلوق أن يكون خالقًا، إذ الوجود قسمان لا ثالث لهما بدلالة العقل والشرع، ربٌ ومربوب فقط، خالقٌ ومخلوق، فالرب هو المالك سبحانه المتفرد بالربوبية والإلوهية، والمربوب هو العالم كله وأنت واحدٌ منه وهو كل من سوى الله عز وجل من جميع الخلائق، {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] . إذًا ثَمَّ خالقٌ ومخلوق وليس ثَمَّ واسطة بين النوعين، والدليل على ما سبق قوله تعالى: ( {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} ) ، ( {وَمِنْ آيَاتِهِ} ) أي من الأدلة والبراهين على وجوده تعالى وتفرده بالإلوهية والربوبية ( {اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ} ) أي وجود الليل والنهار بتعاقبهما واختلافهما بالطول والقِصَر، هذا يذهب ويعقبه الآخر وهلم جرا، وهذا في انتظامٌ محكمٌ بديع كما قال سبحانه: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ: 10،11] .