إذًا العبادة هي الأساس التي من أجلها بعث الرسل (فَإِذَا قِيلَ لَكَ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَقُلْ: رَبِّيَ الْلَّهُ) يعني هو خالقي ومالكي (الَّذِي رَبَّانِي) أي خلقني وأوجدني، ثم رباني بنعمه الظاهرة والباطنة ولذلك قال: (وَرَبَّى جَمِيعَ الْعَالَمِينَ بِنِعَمِهِ) . (الَّذِي رَبَّانِي) بنعمه (وَرَبَّى جَمِيعَ الْعَالَمِينَ بِنِعَمِهِ) النعم الظاهرة والباطنة هذه سابغةٌ عن العبد في نفسه وكذلك على جميع العالمين. إذًا (رَبَّانِي) بمعنى خلقني وأوجدني ثم رباني بنعمه الظاهرة والباطنة، وكما ذكرنا أن لفظ الرب والله هذا إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، لكن الذي عناه المصنف هنا بمعنى التربية وهو إنشاء الشيء حالاً بعد حالٍ إلى الكمال، فأنشأ الإنسان أولاً، ثم جعله في مراحل إلى أن يكتمل (وَرَبَّى جَمِيعَ الْعَالَمِينَ) هذا تعميمٌ بعد تخصيص لأنه قال: (رَبَّانِي) هذا أولاً، أسدى أو أثبت النعمة لنفسه (وَرَبَّى جَمِيعَ الْعَالَمِينَ) هذا تعميمٌ بعد تخصيص، (بِنِعَمِهِ) الباء هذه سببية ويحتمل أنها بمعنى مع (بِنِعَمِهِ) هذا جمعٌ مضاف إلى الضمير وهو من صيغ العموم، ويشمل نعمة الإيجاد ونعمة التغذية ابتداءً من بطن أمه كما ورد في الحديث في الملك الذي يؤمر بأربع كلمات بالنسبة للجنين ومنها بكتب رزقه، فيكون حينئذٍ أول ما يكون في بطن أمه، (بِنِعَمِهِ) قلنا: الظاهرة والباطنة ومنها الربوبية (وَهُوَ مَعْبُودِي) لو قال: فهو معبودي لكان أولى لأن الفاء تدل على التفريع (رَبَّانِي وَرَبَّى جَمِيعَ الْعَالَمِينَ بِنِعَمِهِ) ولا يكون كذلك إلا من كان معبودًا، ولذلك قال المصنف: (وَهُوَ مَعْبُودِي) بتعريف الجزأين فيدل على الحصر يعني هو معبودي لا معبود لي سواه، وهذا نأخذها من تعريف الجزأين لأن هو مبتدأ و (مَعْبُودِي) هذا خبر، فعرف الجزأين، وتعريف الجزأين عند بعض البيانيين يعتبر من صيغ الحصر، حينئذٍ فيه إثبات أن الرب جل وعلا هو المعبود، وهذا إثبات، وفيه نفي العبودية عما سوى الله عز وجل، وصرح بهذا المفهوم بقوله: (لَيْسَ لِي مَعْبُودٌ سِوَاهُ) ، (لَيْسَ) هذا نفي وهو تأكيدٌ للجملة السابقة، لماذا؟ لأن الجملة السابقة (وَهُوَ مَعْبُودِي) يدل على نفي العبودية عما سوى الله عز وجل، من أين أخذناها؟ نقول: من تعريف الجزأين إذ هو من صيغ الحصر عند بعض البانيين، (وَهُوَ مَعْبُودِي لَيْسَ لِي) قلنا: (لَيْسَ) هذا نفي وهو تأكيدٌ للجملة السابقة، (لَيْسَ لِي مَعْبُودٌ) يستحق العبادة (سِوَاهُ) هذا إثبات فجمع بين النفي والإثبات، وهذا معنى لا إله إلا الله، فدل على أن المصنف يريد من معاني الرب المربي بدليل ماذا؟ أنه جمع بين الأمرين قال: (الَّذِي رَبَّانِي وَرَبَّى جَمِيعَ الْعَالَمِينَ بِنِعَمِهِ) وهذا اعتراف بالربوبية، ثم قال: (وَهُوَ مَعْبُودِي لَيْسَ لِي مَعْبُودٌ سِوَاهُ) فجمع بين الأمرين فقدم الأول لأنه دليلٌ على الثاني، وهو أن توحيد الربوبية يُعتبر من توحيد الإلوهية، فالمقصود هنا في قول المصنف: (رَبِّيَ الْلَّهُ) الرب بمعنى توحيد الربوبية، زاد على ذلك المعنى قال: (وَهُوَ مَعْبُودِي لَيْسَ لِي مَعْبُودٌ سِوَاهُ) .