وجاء في الصحيحين عن أبي بكرة قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر» ثم قال وذكرها «الإشراك بالله» . وفسر النبي - صلى الله عليه وسلم - اتخاذ الندّ بالشرك. إذًا (دَعْوَةُ غَيْرِهِ مَعَهُ) هذا حدٌّ وتعريف المصنف وإن قال: اتخاذ الند مع الله هو أوفق من حيث المطابقة للنصوص، والدليل (وَالْدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى) الدليل على المسألتين ما هما؟ ... (أَعْظَمُ مَا أَمَرَ الْلَّهُ بِهِ) ، و (وَأَعْظَمُ مَا نَهَى عَنْهُ) الدليل على المسألتين الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك (قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [النساء: 36] ) ، ( {وَاعْبُدُوا} ) هذا أمرٌ والأمر يقتضي الوجوب، حينئذٍ عبادة الله واجبة، وجه الاستدلال أن قوله: ... ( {وَاعْبُدُوا} ) أمرٌ، والأمر يقتضي الوجوب كما تقول {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} [البقرة: 43] ، {أَقِيمُواْ} هذا أمرٌ، والأمر يقتضي الوجوب إذًا الصلاة واجبةٌ، كذلك ( {وَاعْبُدُوا اللَّهَ} ) أمرٌ والأمر يقتضي الوجوب إذًا عبادة الله تعالى واجبة، والخطاب هنا موجهٌ للمكلفين، والمراد تذللوا لله تعالى بالعبادة، وهو عام يشمل أنواع العبادة كلها، ( {وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} ) ، ( {وَلاَ تُشْرِكُوا} ) لا نافيةٌ أو ناهيةٌ؟ ناهيةٌ، لا ناهيةٌ ... ( {تُشْرِكُوا} ) هذا فعل مضارع سُلِّطَ عليه لا الناهية فجزمته، وجزمه حذف النون أصله تشركون، فحذفت النون للجازم، فحينئذٍ نقول: هذا نهيٌ، والنهي يقتضي التحريم. إذًا الشرك بنوعيه محرمٌ، أمَّا التحريم فلكون الصيغة صيغة نهي، وأما التعميم فلكون الفعل هنا فعلاً مضارعًا، والفعل المضارع منسبك من زمن ومصدر، والمصدر نكرة، والنكرة في سياق النهي تعمّ. إذًا الشرك بنوعيه سواء كان شركًا أكبر أو شركًا أصغر فهو محرم، ولكن الشرك الأكبر يفارق الشرك الأصغر من حيث الحقيقة والحكم، ( {وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ} ) يعني بالله عز وجل ( {شَيْئاً} ) هذا عام يشمل؟ لا، هذه الآية أو هذا النص فيه عمومان، عموم في الشرك نفسه، وعمومٌ في الْمُشْرَكِ به، يعني الذي يتوجه إليه المشرك، فقد يتوجه إلى ملك، وقد يتوجه لنبي، وقد يتوجه إلى حجر، أو شجر، أو نار، أو نحو ذلك، حينئذٍ كل ما ذُكِر وغيره مما تصرف له العبادة لأن الشرك قد يتنوع قد يكون في زمنٍ تتعلق النفوس بالأصنام، وقد يكون في زمنٍ تتعلق بالنيران ونحو ذلك، قد تتعلق بالبهائم، وقد تتعلق بالشيطان، وقد تتعلق بسائر ما يمكن أن يتعلق به الناس، حينئذٍ صرف العبادة لأي نوعٍ من هذه الأنواع وهو عما عدا الله عز وجل يعتبر من الْمُشْرَكِ به، وقد جاء النص على العموم. إذًا فيه عمومان، عمومٌ في الشرك وهو مأخوذ من قوله: ( {لاَ تُشْرِكُوا} ) ، وعمومٌ في الْمُشْرَكِ به وهو مأخوذ من قوله: ( {شَيْئاً} ) .