وهنا المصنف نص على المسلم ولم يذكر الكافر مع كون المسألة الأولى والثانية والثالثة، بل التوحيد كله إنما بخاطب به أهل الكفر ابتداءً وانتهاءً، إنما نص على المسلم لكونه هو المخاطب من حيث الجملة، يعني قد نص الله عز وجل في خطابه في الكتاب وكذلك عن لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - خطاب متوجِهٌ إليه، وأما الكافر فالأصل أنه مخاطب بإجماع أهل العلم بأصول الشريعة كالشهادتين، والصلاة، وكل ما يتعلق بمسائل الإيمان من الأركان الستة ونحوها، حينئذٍ نص المصنف على الإسلام أو على المسلم لا يُفهم منه بكون الكافر غير مخاطب بما ذكر من المسائل، بل الصحيح حتى في مسائل الفروع أن الكافر مخاطب بفروع الشريعة كما أن المسلم مخاطب بالصلاة ومخاطب بالزكاة ومخاطب بالصيام ومخاطب بالحج ومخاطب بالبر والصلة، وكذلك مخاطب بتحريم الزنا والربا ونحو ذلك، كل ما خوطب به المسلم فالكافر كذلك مخاطب بفروع الشريعة، وهذا على الصحيح، وهو مذهب جمهور السلف أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، وأما أصول التوحيد والمعتقد فهذا محل إجماع إذًا (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ) نقول: حتى الكافر كذلك مخاطب بما ذُكر في هذه المسائل الثلاث، بل يدخل فيها دخولاً أوليًا لأنه إذا علم بأن الله تعالى لا يرضى الشرك الأكبر وهو على شركه ابتداءً لا بد من الامتثال، وأما المسلم فيكون تعلم هذه الأحكام الشرعية من باب تصحيح المعتقد ولئلا يقع فيما يناقض ما هو عليه، يعني يسلم ابتداءً وانتهاءً، (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ) يجب ماذا؟ (تَعَلُّمُ) هذا فاعل يجب، يجب تعلم يعني تحصيل العلم ولا شك أن العلم متعلقه القلب يعني المعرفة إنما تكون باعتقاد معاني ما سيذكره المصنف رحمه الله تعالى، لأن القلب هو الذي يكون محلاً للمعاني والتفكر والعلم وسائر المعقولات إنما تكون في القلب (تَعَلُّمُ) (ثَّلَاثِ) ... (هَذِهِ الْمَسَائِلِ) ، (الْمَسَائِلِ) المراد بها هنا إن كان في الأصل هي جمع مسألة والمسألة على وزن مفعلة مأخوذة من السؤال، وهو ما يبرهن عنه بالعلم أو مطلوب خبري يحتاج إلى إثباته بدليل، إنما المراد هنا القواعد والأصول لأن:
الأصل الأول وهو إفراد الله تعالى بصفة الخلق.
والأصل الثاني وهو أن الله تعالى لا يرضى أن يُشْرَكَ معه أحدٌ لا ملك مقرب ولا نبي مرسل.
والأصل الثالث وهو البراءة من الشرك وأهله.
هذه تعتبر من أصول الإسلام بأحد الاعتبارات، حينئذٍ المسائل المراد بها هنا القواعد والأصول، (تَعَلُّمُ) (ثَّلَاثِ) الثلاث عدد في الأصل أن له مفهوم عند جماهير الأصوليين، ولكن هنا في هذا المقام ليس له مفهوم، بمعنى أنه لا تزيد ولا تنقص، نقول: لا لأنه ذكر في المقدمة الأولى أربع مسائل يجب تعلمها، وهذه ثلاث مسائل إذًا ما يجب بالمقدمتين سبع مسائل، حينئذٍ تخصيص العدد بثلاث لا مفهوم له.