قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: فإن الله خلق الخلق لعبادته كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وإنما تعبدهم بطاعته وطاعة رسوله، فلا عبادة إلا ما هو واجبٌ أو مستحبٌ في دين الله، وما سوى ذلك فضلالٌ عن سبيله، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم: «من عَمِلَ عَمَلاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌ» أخرجاه في الصحيح، ثم قال بعد ذلك: وقد ذكر الله طاعة الرسول وإتباعه في نحوٍ من أربعين موضعًا من القرآن الكريم كقوله تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} في نحوٍ من أربعين موضعًا أمر بطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقرن بين الطاعتين بل رتب طاعة الرب جل وعلا على طاعةِ الرسول - صلى الله عليه وسلم -، إذًا: (طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ) لأنه هو هذا الحكمة من إرسال الرسل أن يطاع قال الله عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ} [النساء: 64] هذه هي الحكمة، وإن كان قوله تعالى: ... {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] تعتبر من الحكم كذلك، لكن الأصل هو الطاعة، (طَاعَتُهُ) - صلى الله عليه وسلم - (فِيمَا أَمَرَ) يعني فيما أمر به (فِيمَا) ما: اسم موصول بمعنى الذي فهو من صيغ العموم فيعمّ كل ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - الأصل فيه وجوب الطاعة، (وَتَصْدِيقُهُ) أي نسبته إلى الصدق (فِيمَا أَخْبَرَ) به من الغيب، فإذا أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أمورٍ قد وقعت في سالف الأمم أو عما سيقع في آخر هذه الأمة وجب تصديقه، يعنى تنسبه إلى الصدق، فهو الصادقٌ المصدوق وأمين الله على وحيه، فكل شيءٍ أخبر به فهو حقٌ وصدق لا كذب فيه ولا امتراء. (وَاجْتِنَابُ) يعني ترك (مَا عَنْهُ نَهَى وَزَجَرَ) ، (مَا) اسم موصول بمعنى الذي فيعمّ، كلّ ما نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - وجب اجتنابه وتركه، (مَا عَنْهُ نَهَى) أي نهي تحريمه أو نهي كراهة، (وَزَجَرَ) وهذا نهيٌ بشدة، فيكون من باب عطف الخاص على العام، كأن الزجر هنا بمعنى التحريم، ونهى يكون عامًا شاملاً للكراهة والتحريم. قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر: 7] وقال - صلى الله عليه وسلم: «ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه» . (وَأَنْ لاَ يُعْبَدَ اللهُ إِلاَّ بِمَا شَرَعَ) هذه قاعدة عامة وهي الشرط الثاني من شرطي صحة العبادة، قلنا: العبادة لا تصح إلا بالإخلاص والمتابعة (وَأَنْ لاَ يُعْبَدَ اللهُ إِلاَّ بِمَا شَرَعَ) لا بالبدع ولا بالأهواء، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم: «من عَمِلَ عَمَلاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌ» .