(وَدَلِيلُ شَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ) الشقّ الثاني من الركن الأول (قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128] ) ، {جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} هذا محل الشارع أثبت الرسالة له (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ) هذا الشاهد من الآية، {لَقَدْ} هذه اللام موطئة للقسم، فأقسم لتأكيد الكلام وتعظيمه {لَقَدْ جَاءَكُمْ} والْمُقْسِمُ هو الله عز وجل، والْمُقْسَمُ عليه هو مجيئ الرسول {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} وأكده بالقسم وباللام الموطئة للقسم وبقد، هذه ثلاث مؤكدات. إذًا المقسم عليه هو مجيئ الرسول، والمقسم به هو الله، {جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} ، (مِنْ أَنْفَسِكُمْ) {مِّنْ أَنفُسِكُمْ} أي من جنسكم تعرفون نسبه وصدقه ليس بملكٍ فلا تستطيعون مخاطبة ذلك الملك والجلوس معه، بل هو بشرٌ يتمكنون من سؤاله متى شاءوا، {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} من أوصافه أنه {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} العنت بمعنى المشقة، يعني يشق عليه مشق عليكم من الأثقال والأغلال، وهذا من رحمته - صلى الله عليه وسلم - بمن بُعِثَ إليهم قد جاء في الحديث: «بُعِثْتُ بالحنفية السمحة» . وقال: «إن هذا الدين يسرٌ» . {حَرِيصٌ عَلَيْكُم} ، {حَرِيصٌ} أي على هدايتكم وإنقاذكم من النار وعلى ما ينفعكم في الدنيا والآخرة، ... {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} ، {رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} يعني رأفته ورحمته خاصة بالمؤمنين ولذلك قدم المتعلِق على المتعلَق لإفادة القصر والاختصاص. إذًا قوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} هو الشاهد من هذه الآية، وفيه إثبات أن محمدًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وفيها بيان منة الله تعالى على خلقه ببعثه هذا النبي الأمي والرسول الكريم، وقد وصفه الله عز وجل في الآية بالصفات السابقة، ثم قال: (وَمَعْنَى شََهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ) كما فسر لنا معنى شهادة أن لا إله إلا الله: (لاَ مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلاَّ اللهُ) فما معنى أشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: ... (طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ، وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ، وَاجْتِنَابُ مَا عَنْهُ نَهَى وَزَجَرَ، وَأَنْ لاَ يُعْبَدَ اللهُ إِلاَّ بِمَا شَرَعَ.) أربعة أصول لا بد من تحقيقها من أجل أن تكون عاملاً بمقتضى (شََهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ) هل هي واجبةٌ أم لا؟ نقول: نعم، واجبةٌ هي واجبة، ووجوب طاعته - صلى الله عليه وسلم - ثابتةٌ بالنصوص المتكاثرة من الكتاب والسنة، وقد قرن سبحانه طاعته بطاعته ... {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} [النساء: 80] رتب هذه الطاعة على طاعة الرسول، في غير موضعٍ من كتابه، ومن عصاه فقد عصى الله، ومن عصى الله فله النار.