ذلك بعض المفسرون وإما لأن الغلو: يورث الشرك والكفر والتفريط، والتقصير: يورث الذنوب والشرك والكفر أعظم خطراً فذكر الغلو لعظم خطره.
والدليل من السنة أن الغلو سبب كفر بني آدم، ففي الصحيحين1 عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} . [نوح: 23] . قال: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح. أول رسول أرسل في الأرض لما غلو في الصالحين وأشركوا مع الله غيره في العبادة، قال قتادة: ذرك لنا أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الهدى وعلى الشريعة من الحق ثم اختلفوا بعد ذلك فبعث الله إليهم نوحاً، وقال ابن عباس في قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} . [البقرة: 213] . قال: على الإسلام كلهم وقد أراد الله تعالى استخبارهم فامتحنهم الله بما يفتنهم ليعلم الصادق من الكاذب كما قال تعالى: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} . [العنكبوت: 1- 3] . فبين الله أنه لابد أن يفتن الذي يدعي الإيمان قديماً وحديثاً ومن حكمة الرب تعالى أن يفتن كلاًّ بما يليق بحاله، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} . [البقرة: 155] . فإن علم الله من الصدق والإيمان الحقيقي الذي لا يشوبه ظلم حفظه من وساوس الشيطان فانتبه. قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} . [إبراهيم: 27] . وإن علم منه خلاف ذلك خلى بينه
1 أخرجه البخاري (4920) من حديث ابن عباس موقوفاً ولم يروه مسلم.