فهرس الكتاب
الصفحة 270 من 486

شرح الباب 17

باب في بيان ما يدل على أنه لا يهدي الهداية الجامعة للعلم والعمل والتعليم والصبر إلا الله من الكتاب والسنة

أما الكتاب فقول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56] . قلت: فإذا كان الخطاب للرسول المبعوث المأمور بالتبليغ فكيف غيره؟ فإن قلت: كيف ذلك وكان شأنه ودأبه منذ بعث إلى أن مات هداية الناس إلى الصراط المستقيم؟ قلت: الهداية تتعدى بنفسه تارة وبإلى تارة وباللام تارة وكل له معنى معلوم، فمن المعدى بنفسه {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} ، وقوله {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} ، ومن المعدى بإلى قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} . [الشورى: 52] . وقوله: {إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} . [الأنعام: 161] . ومن المعدى باللام قوله تعالى عن أهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا} . [الأعراف: 43] . وقوله: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} . [الإسراء: 9] . المتعدي بإلى للإيصال إلى الغاية المطلوبة، وباللام لذلك مع إفادة التخصيص، وبنفسه للهداية التامة الجامعة للعلم والعمل والتعليم والثبات كما ذكر الله في سورة العصر: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} . [العصر: 1-3] .

قال ابن القيم: فمتى عدي بإلى تضمن الإيصال إلى الغاية المطلوبة.

قلت: ليس معنى قوله: الإيصال إلى الغاية الهداية التامة؛ لأن الإيصال إلى الغاية لا يشمل الدخول في الغاية كما في قوله تعالى: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} . [البقرة: 187] . أما ترى أن الليل ليس بداخل في

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام