... ويسأل أحدهم عن قيمة الزكاة فيجيب: أما على العوام فربع العشر وأما نحن فيجب علينا بذل الجميع ؟!!"وإذا وقع خلاف في مسألة بين علماء الشرع وبقيت غامضة , فالقول فيها ما يقوله علماء الباطن أهل التصوف" (1) . وفي تفسير قوله تعالى:"ولكن لا تفقهون تسبيحهم" (2) . قال الغزالي:"وهذا الفن مما يتفاوت أرباب الظواهر وأرباب البصائر في عمله" (3) .
والحقيقة أن هذه التفرقة غير صحيحة بل هي باطلة وقبيحة , وأي تجزئة للإسلام فهي من قبيل اتخاذ القرآن عضين , والإسلام كل متكامل كالجسم الواحد , فليس هناك ظاهر وباطن ولكن هناك فهم صحيح كما عقله الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , نعم هناك أعمال للجوارح وأعمال للقلوب والإيمان يزيد حتى يصبح كالجبال وينقص حتى يكون كالنبتة الصغيرة الضعيفة , ولكن كل هذا اسمه شريعة أو إسلام أو دين وكل تقسيم يشعر بأن هناك تضاداً أو تغايراً كمن يفرق بين العقل والنقل وكأن النقل مضاد للعقل , أو بين العلم والدين وكأن العلم يخالف الدين , كل هذا لا يكون إلا من ضعف وانحسار أمام أعداء هذا الدين , هذا إن أحسناً الظن بهم .
انتقد ابن الجوزي هذا التقسيم فقال:"هذا قبيح لأن الشريعة ما وضعه الحق لصالح الخلق , فما الحقيقة بعدها سوى ما وقع في النفوس من إلقاء الشياطين , وبغضهم الفقهاء أكبر الزندقة" (4) .
كما أن هذه التفرقة بين الظاهر والباطن أدت بهم في موضع التفسير إلى تأويل الآيات وتحريفها تخريفاً شنيعاً , وهذا التأويل المذموم حاولت كل الفرق الضالة الباطنية أن تجد له نصيراً من كتاب الله يتناسب وأهواءها . ولذلك ضبط علم التفسير عند أهل السنة بـ ( أصول التفسير ) حتى لا يتحول الأمر إلى فوضى لا نهاية لها , ففي تفسير آية"فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي" (5) قال صاحب منازل السائرين:"رأى هذه حالة العطش كأن إبراهيم عليه السلام لشدة عطشه إلى لقاء محبوبه لما رأى الكواكب قال: هذا ربي, فإن العطشان إذا رأى السراب ذكر به الماء".
(1) شكيب أرسلان: حاضر العالم الإسلامي 2/160 والكلام لأحمد الشريف السنوسي .
(2) الإسراء / 44 .
(3) زكي مبارك: التصوف 2/25.
(4) تلبيس إبليس /337 .
(5) الأنعام / 76.