فهرس الكتاب
الصفحة 294 من 581

ويرى الدكتور أن الروحيين لا يعْدِمون في مثل هذا الجو المظلم قوالب علمية يصبون فيها حيلهم.

والتدليس على الناس بالحيل طريقة قديمة معروفة، يضلّ بها شياطين الإنس عباد الله، يطلبون الوجاهة عند الناس، كما يطلبون مالهم، فقد ذكر ابن تيمية عن فرقة في عصره كانت تسمى (البطائحية) :"وَبَلَغَنِي بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ طَافُوا عَلَى عَدَدٍ مِنْ أَكَابِرِ الْأُمَرَاءِ وَقَالُوا أَنْوَاعًا مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ مِنْ التَّلْبِيسِ وَالِافْتِرَاءِ الَّذِي اسْتَحْوَذُوا بِهِ عَلَى أَكْثَرِ أَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ الْأَكَابِرِ وَالرُّؤَسَاءِ مِثْلِ زَعْمِهِمْ أَنَّ لَهُمْ أَحْوَالًا لَا يُقَاوِمُهُمْ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَأَنَّ لَهُمْ طَرِيقًا لَا يَعْرِفُهَا أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ. وَأَنَّ شَيْخَهُمْ هُوَ فِي الْمَشَايِخِ كَالْخَلِيفَةِ وَأَنَّهُمْ يَتَقَدَّمُونَ عَلَى الْخَلْقِ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ المنيفة وَأَنَّ الْمُنْكِرَ عَلَيْهِمْ هُوَ آخِذٌ بِالشَّرْعِ الظَّاهِرِ غَيْرُ وَاصِلٍ إلَى الْحَقَائِقِ وَالسَّرَائِرِ. وَأَنَّ لَهُمْ طَرِيقًا وَلَهُ طَرِيقٌ. وَهُمْ الْوَاصِلُونَ إلَى كُنْهِ التَّحْقِيقِ وَأَشْبَاهِ هَذِهِ الدَّعَاوَى ذَاتِ الزُّخْرُفِ وَالتَّزْوِيقِ. وَكَانُوا لِفَرْطِ انْتِشَارِهِمْ فِي الْبِلَادِ وَاسْتِحْوَاذِهِمْ عَلَى الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْأَجْنَادِ لِخَفَاءِ نُورِ الْإِسْلَامِ وَاسْتِبْدَالِ أَكْثَرِ النَّاسِ بِالنُّورِ الظَّلَامَ، وَطُمُوسِ آثَارِ الرَّسُولِ فِي أَكْثَرِ الْأَمْصَارِ وَدُرُوسِ حَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ فِي دَوْلَةِ التَّتَارِ لَهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْقِعٌ هَائِلٌ وَلَهُمْ فِيهِمْ مِنْ الِاعْتِقَادِ مَا لَا يَزُولُ بِقَوْلِ قَائِلٍ. قَالَ الْمُخْبِرُ: فَغَدَا أُولَئِكَ الْأُمَرَاءُ الْأَكَابِرُ وَخَاطَبُوا فِيهِمْ نَائِبَ السُّلْطَانِ بِتَعْظِيمِ أَمْرِهِمْ الْبَاهِرِ وَذَكَرَ لِي أَنْوَاعًا مِنْ الْخِطَابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الصَّوَابِ وَالْأَمِيرُ مُسْتَشْعِرٌ ظُهُورَ الْحَقِّ عِنْدَ التَّحْقِيقِ فَأَعَادَ الرَّسُولَ إلَيَّ مَرَّةً ثَانِيَةً فَبَلَغَهُ أَنَّا فِي الطَّرِيقِ وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ الْأَضْدَادِ كَطَوَائِفَ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ وَالْمُتَفَقِّرَةِ وَأَتْبَاعِ أَهْلِ الِاتِّحَادِ. مُجِدِّينَ فِي نَصْرِهِمْ بِحَسَبِ مَقْدُورِهِمْ مُجَهِّزِينَ لِمَنْ يُعِينُهُمْ فِي حُضُورِهِمْ. فَلَمَّا حَضَرْت وَجَدْت النُّفُوسَ فِي غَايَةِ الشَّوْقِ إلَى هَذَا الِاجْتِمَاعِ مُتَطَلِّعِينَ إلَى مَا سَيَكُونُ طَالِبِينَ لِلِاطِّلَاعِ. فَذَكَرَ لِي نَائِبُ السُّلْطَانِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأُمَرَاءِ بَعْضَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الِافْتِرَاءِ. وَقَالَ إنَّهُمْ قَالُوا: إنَّك طَلَبْت مِنْهُمْ الِامْتِحَانَ وَأَنْ يَحْمُوا الْأَطْوَاقَ نَارًا وَيَلْبَسُوهَا فَقُلْت هَذَا مِنْ الْبُهْتَانِ. وَهَا أَنَا ذَا أَصِفُ مَا كَانَ. قُلْت لِلْأَمِيرِ: نَحْنُ لَا نَسْتَحِلُّ أَنْ نَأْمُرَ أَحَدًا بِأَنْ يَدْخُلَ نَارًا وَلَا تَجُوزُ طَاعَةُ مَنْ يَأْمُرُ"

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام