فهرس الكتاب
الصفحة 260 من 581

وَقَوْلُهُ: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} هَلْ هُوَ تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} ثُمَّ بَيَّنَهُمْ فَقَالَ: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} وَهَذَا يُقَوِّي الْقَوْلَ الثَّانِيَ. وَقِيلَ قَوْلُهُ: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} تَفْسِيرٌ لِلَّذِي يُوسوس فِي صُدُورِ النَّاسِ، مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الْأَنْعَامِ: 112] [1]

وعَنْ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، أَخْبَرَتْهُ أنها أَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَلَمَّا رَجَعَتْ مَشَى مَعَهَا، فَأَبْصَرَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا أَبْصَرَهُ دَعَاهُ فَقَالَ:"تَعَالَ هِيَ صَفِيَّةُ - وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: هَذِهِ صَفِيَّةُ -، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ" [2]

وعَنِ الْمِقْدَادِ، قَالَ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَصَاحِبَانِ لِي، وَقَدْ ذَهَبَتْ أَسْمَاعُنَا وَأَبْصَارُنَا مِنَ الْجَهْدِ، فَجَعَلْنَا نَعْرِضُ أَنْفُسَنَا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَقْبَلُنَا، فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَانْطَلَقَ بِنَا إِلَى أَهْلِهِ، فَإِذَا ثَلَاثَةُ أَعْنُزٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم: «احْتَلِبُوا هَذَا اللَّبَنَ بَيْنَنَا» ، قَالَ: فَكُنَّا نَحْتَلِبُ فَيَشْرَبُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنَّا نَصِيبَهُ، وَنَرْفَعُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَصِيبَهُ، قَالَ: فَيَجِيءُ مِنَ اللَّيْلِ فَيُسَلِّمُ تَسْلِيمًا لَا يُوقِظُ نَائِمًا، وَيُسْمِعُ الْيَقْظَانَ، قَالَ: ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ فَيُصَلِّي، ثُمَّ يَأْتِي شَرَابَهُ فَيَشْرَبُ، فَأَتَانِي الشَّيْطَانُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَقَدْ شَرِبْتُ نَصِيبِي، فَقَالَ: مُحَمَّدٌ يَأْتِي الْأَنْصَارَ فَيُتْحِفُونَهُ، وَيُصِيبُ عِنْدَهُمْ مَا بِهِ حَاجَةٌ إِلَى هَذِهِ الْجُرْعَةِ، فَأَتَيْتُهَا فَشَرِبْتُهَا، فَلَمَّا أَنْ وَغَلَتْ فِي بَطْنِي، وَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ إِلَيْهَا سَبِيلٌ، قَالَ: نَدَّمَنِي الشَّيْطَانُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ، مَا صَنَعْتَ أَشَرِبْتَ شَرَابَ مُحَمَّدٍ، فَيَجِيءُ فَلَا يَجِدُهُ فَيَدْعُو عَلَيْكَ فَتَهْلِكُ فَتَذْهَبُ دُنْيَاكَ وَآخِرَتُكَ، وَعَلَيَّ شَمْلَةٌ إِذَا وَضَعْتُهَا عَلَى قَدَمَيَّ خَرَجَ رَأْسِي، وَإِذَا وَضَعْتُهَا عَلَى رَأْسِي خَرَجَ قَدَمَايَ، وَجَعَلَ لَا يَجِيئُنِي النَّوْمُ، وَأَمَّا صَاحِبَايَ فَنَامَا وَلَمْ يَصْنَعَا مَا صَنَعْتُ، قَالَ: فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَلَّمَ كَمَا كَانَ يُسَلِّمُ، ثُمَّ أَتَى

(1) - تفسير ابن كثير ت سلامة (8/ 540) وانظر الدر المنثور في التفسير بالمأثور (8/ 694)

(2) - صحيح البخاري (3/ 50) (2039)

(يدرأ) يدفع عن نفسه ما يوجه إليه من سوء بالقول أو الفعل. (وهل هو إلا ليل) فهل الإتيان منها في وقت إلا في الليل لأنهن ما كن يخرجن في النهار]

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام