(4) أن النجاشي كان مسلماً يحكم بشريعة النصارى
الإشكال الرابع:
قالوا؛
وهذا والله من أخطر الاستدلالات على الإطلاق، حيث وأن المفهوم منه؛ أنه يجوز الحكم بالنصرانية وغيرها ويبقى الحاكم بها صالحاً، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال عن النجاشي: (عبد صالح) ، فقاتل الله الإرجاء كيف يفعل بأهله؟! ويرد على هؤلاء من وجوه:
الوجه الأول: أن لازم هذا الإستدلال جواز الحكم بالنصرانية، على التسليم بأن النجاشي كان يحكم بها بعد إسلامه، وهنا الباقعة التي ليس لها راقعة، وهو إعلان لتدمير كل الأصول المثبتة لحرمة الحكم بما أنزل الله، وقد انعقد الإجماع أن جميع أحوال الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ممنوع شرعاً، وهذه مخالفة صارخة لم يقل بها أحد من العقلاء فضلاً عن العلماء!
الوجه الثاني: أن النجاشي رضي الله عنه مات قبل نزول سورة المائدة التي فيها الحكم وبيان إكمال الدين، بل مات قبلها بسنتين ويزيد.
قال الحافظ ابن حجر في"الإصابة": (قال الطبري وجماعة مات في رجب سنة تسع) [الإصابة] ، وقال غيره: كان قبل الفتح [ج 1/ص 206] ، فتبين أن موته كان قبل؛ ومن المعلوم أن الصلاة لم تفرض إلا في في حادثة المعراج حين لم يكن يكتمل الدين بعد وكانوا على الإسلام وهم لا يصلون، فالشرع لا يلزمك إلا بما أتاك، وهذا من ضروريات العلم، فلما فرضت الصلاة بعدها كان تركها ناقضاً، فكذلك الحكم، فسبحان الله كيف يفعل الهوى بأهله؟!
الوجه الثالث: من أين للقوم حجة بسند صحيح؛ أن النجاشي كان يحكم بالنصرانية بعد إسلامه؟ فإن قالوا؛ الأصل، قلنا؛ بل الأصل أن الإسلام يجب ما قبله، وحسن الظن به؛ أنه حكم بما وصله من الإسلام.
الوجه الرابع: من لازم هذا القول أن الحاكم إذا إذا قنن قانونا حرم فيه كل حلال وحرم فيه كل حلال لهوى أو خوف على ملك وإرضاءً لقومه فإنه يصلى عليه ويقال كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؛"العبد الصالح".
الوجه الخامس: أن الآية الكريمة جاءت لتخبر أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حكم فيهم - أي أهل الكتاب - فليحكم بينهم بما أنزل الله، فجاءت الآية في الموضع المستشكل بقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ} .
فأكتف بهذا القدر، وإلا رد هذه القشة يسير ولا تستحق الإلتفات إليها، ولم يردها السلف من المشكل فهي من محدثات الخلف، وعش سترى أنكر وأكبر وأكثر.