الصفحة 9 من 25

-الأمر الأول/ من قواعد الإنصاف عدم القول على الله بغير حق وبغير علم، لا تعلم؟ اسكت، لا تعلم؟ اسأل، لا تتصدر في شيء لا تعرفه، لا تكن رأسًا في الباطل، يَسَعك السكوت، لا تعلم؟! اسكت، لازم يكون لك في كل مسألة قول؟ لا بُدّ من كل حدث أن يكون لك تعليق؟ لا تعلم، اسكت، ولا تنسب لله -تبارك وتعالى- ما لم يقل وما لم يحكم، قال الله -سبحانه وتعالى-: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [1] شيء لا تعلمه، لا تقله.

-الأمر الثاني/ ألا نجعل أحكامنا واجتهادنا ونظرتنا وترجيحنا هو حكم الله! اجتهادك؟ لا، هذا اجتهادك، فاجتهادك شيء وحكم الله شيء آخر لا تَنُص على أنه هو حكم الله -تبارك وتعالى-، أخرَجَ الإمام مسلم عن بريدة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أمَّر أميرًا على جيشٍ أو سَرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومَن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: (وإذا حاصرتَ أهل حصن وأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تُنزِلهم على حكم الله، ولكن أَنزِلهم على حكمك فإنك لا تدري أتُصيب حكم الله فيهم أم لا) [2] ؛ لأن حكمك اجتهاد، وحكم الله هو الذي يأتي بالنص الصريح.

قال ابن القيم -وهذا مفيد في توضيح الحديث-:"لا يجوز أن يقول لما أدَّاه إليه اجتهاده ولم يظفر فيه بنص عن الله ورسوله: أن الله حرم كذا، أو أوْجَب كذا، أو أباح كذا، وأن هذا هو حكم الله". [3]

المسألة الاجتهادية لا تجعلها حكم الله؛ لأن هذا الاجتهاد هو ما أظن أن هذا هو حكم الله وليس قطعًا، المسائل القطعية محدودة، التي نصَّ الله -تبارك وتعالى- عليها وبيَّنها النبي - صلى الله عليه وسلم - بنص صريح هذه حكم الله -تبارك وتعالى-، أما اجتهادي أنا في فهمي للمسألة فلا أقول بأنه حكم الله -تبارك وتعالى-؛ لذلك أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة: (فأرادوك أن تُنزِلهم على حكم الله فلا تُنزِلهم على حكم الله ولكن أنزِلهم على حكمك) فقل هذا اجتهادي وأظن والله أعلم أنه حكم الله، فأُصيب وأُخطئ، فإن أصبتُ فمن الله، وإن أخطئتُ فمن نفسي والشيطان.

وقال ابن القيم في (إعلام الموقعين) عن شيخ الإسلام ابن تيمية:"وسمعتُ شيخ الإسلام يقول: حضرتُ مجلسًا فيه القضاة وغيرهم، فَجَرَت حكومة -منازعة وحُكْم- حَكَم فيها أحدهم بقول زُفَر -زفر هذا من أئمة المذهب"

(1) سورة الأعراف، الآية (33) .

(2) صحيح مسلم: (1731) .

(3) إعلام الموقعين عن رب العالمين - (2/ 82) ، ط: دار ابن الجوزي، تحقيق: مشهور بن حسن آل سلمان.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام