الصفحة 18 من 25

ومن قواعد إنصاف الأمة وأهل القبلة،"لا إلزام في مسائل الخِلاف"مسألة خلافية واختلف فيها الاجتهاد لا يُلزم الناس برأي واحد، هذا من الخطأ، والخطأ أعظم منهُ الإلزام بالتقليد فأكون أنا مُقلَّد وأنت مقلَّد فأُلزم عليك لا بُدّ أن تقلد من أنا أقلده سواء في مسائل العقائد أو في مسائل الأحكام! كحديث صححه فلان فأنا مقلد للشيخ الفلاني في تصحيح الحديث، وأنت مقلد الشيخ فلان في تضعيفه، فأقول لك: لا، لا بُدّ أن تقلد من أنا قلدته فتقول أن الحديث حكمه كذا!

عندي اجتهاد في عمل معيَّن والناس مختلفة في آرائهم فعندي اجتهاد أن مخرج الأمة كذا وكذا، فأُلزم الخصم أن يُقلَّد من أنا أقلده، فهذه مسألة بعيده!

إذن لا إلزام في مسائل الخلاف؛ المسائل الخلافية مسائل اجتهادية والمقلِّد مقلِّد، فكيف يُلزم غيرَه بأن يقلِّد من يقلدَه؟!

قال ابن تيمية:"وما من الأئمة إلا من له أقوال وأفعال لا يتابع عليها مع أنه لا يذم عليها، وأما الأقوال والأفعال التي لم يعلم قطعًا مخالفتها للكتاب والسنة بل هي من موارد الاجتهاد التي تنازع فيها أهل العلم والإيمان، فهذه الأمور قد تكون قطعية عند بعض من بين الله له الحق فيها، لكنه لا يمكن أن يلزم الناس بما بان له ولم يَبن لهم". [1]

مسألة خلافية لكني اهتديت فرأيت أن هذه المسألة بالنسبة لي أصبحت واضحة جدًا وأنها قطعية، وأن الاحتمالات الأخرى كلها مرجوحة ولكن عند الآخرين لا زالت المسألة غير قطعية، فلا بُدّ أن يقلدوني؟ لا، ويبقى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة، فلا إلزام في مسائل الخلاف ولكن الأمر بالمعروف والنصيحة.

المسألة الأخيرة من قواعد الإنصاف"الأخذ بالظاهر والله يتولى السرائر"الحكم على الناس يكون حسب ظواهرهم، فلا أُنقِّب عنهم وأقول: لا هو أصلًا يقصد كذا وكذا! فإذا لم تجد قرينة بينة واضحة جلية على مُراد فلان بالكلام أو بالفعل فالأصل أن نقبل من الناس ظواهرهم، وسرائرهم على الله -تبارك وتعالى-، في صحيح البخاري عن عبد الله بن عتبة قال: سمعتُ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول:"إن أناسًا كانوا يؤخَذون بالوحي في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذ الآن بما ظهر لنا من أعمالكم فمن أظهر لنا خيرًا أمناه وقربناه وليس إلينا من"

(1) مجموع الفتاوى (10/ 383) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام