نجعلهم كلهم شيء واحد، فنقول كل أهل البدع مسلمون، فهذا خطأ، أو نقول كل أهل البدع كفار! لا، إنما هم درجات فكيف نتعامل معهم؟ بالكتاب والسنة، من قال الله -سبحانه وتعالى- بأنه كُفُر، حكمنا بأنه كفر، وما سماه الله -سبحانه وتعالى- بأنه عصيان قلنا بأنه عصيان، ومن عذرهُ الله -تبارك وتعالى- عذرناه.
قال ابن تيمية:"فأهل البدع فيهم المنافق الزنديق فهذا كافر، ويكثر مثل هذا في الرافضة والجهمية، فإن رؤساءهم كانوا منافقين زنادقة، وأول من ابتدع الرفض كان منافقًا، وكذلك التجهم فإن أصله زندقة ونفاق؛ ولهذا كان الزنادقة المنافقون من القرامطة الباطنية المتفلسفة وأمثالهم يميلون إلى الرفض والجهمية لقربهم منهم. ومن أهل البدع من يكون فيه إيمان باطنًا وظاهرًا -يعني مؤمن على الحقيقة وفي الظاهر- لكن فيه جهل وظلم حتى أخطأ ما أخطأ من السنة فهذا ليس بكافر ولا منافق، ثم قد يكون منه عدوان وظلم يكون به فاسقًا أو عاصيًا، وقد يكون مخطئًا متأولًا مغفورًا له خطؤه، وقد يكون مع ذلك معه من الإيمان والتقوى ما يكون معه ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه، فهذا أحد الأصلين". [1]
هذه المسألة مهمة جدًا، أن أهل العلم قد يُخطِّؤون ولكن لا يتسرعون في التكفير. هذه قاعدة.
القاعدة التالية من قواعد الإنصاف"الإقرار بما عند المخالف من صواب"، الإنسان المبتدع أو المخالف ليس كل ما عنده هو باطل أو خطأ، لا، فيه صواب وفيه خطأ، لا يكون الخطأ الذي عنده هو مانع من قبول الحق الذي معه، وما من إنسان إلا عنده خطأ، وكثير من الناس قد وقعوا في بدع فمن غير المعقول أن تُلغي الناس جميعًا، يعني مثلاً تنظر في كتب الأصول، فما هو كتاب الأصول الذي ليس فيه خطأ؟ وما هو كتاب التفسير الذي ليس فيه خطأ؟ لا يسلم ولا كتاب، إلا كتاب الله -تبارك وتعالى- وصحيح السنة، أما كتب الإسلام كلها تجد فيها المتأثر بالمعتزلة، ومن هو متأثر بالأشاعرة، ومن عنده بدعة هنا ومن عنده بدعة هناك، إذا ألغيناهم من يبقى؟! لن يبقَ أحد.
فمن قواعد الإنصاف"الإقرار بما عند المخالف من صواب"، قال ابن تيمية -رحمه الله-:"وأنت تجد كثيرًا من المتفقهة إذا رأى المتصوفة والمتعبدة لا يراهم شيئًا ولا يعدهم إلا جُهالًا ضُلالًا -المهتمين بالفقه يرون الذين يهتمون بالتصوف والتزكية والتربية والمتعبِّدة أنهم جهلة وينسفونهم- ولا يعتقد في طريقهم من العلم والهدى شيئًا، وترى كثيرًا من المتصوفة والمتفقرة لا يرى الشريعة والعلم شيئًا، بل يرى أن المتمسك بها منقطعًا عن الله وأنه ليس"
(1) مجموع الفتاوى (3/ 353،354) .