فهرس الكتاب
الصفحة 54 من 85

حب الله وعبادته، ركبوا الأخطار، وجابوا المفاوز والقفار، واحتملوا في الوصول إلي البيت مشقة الأسفار، وسر هذه المحبة هي إضافة البيت إلي نفسه سبحانه وتعالي: {وَعَهِدْنَا إِلي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيل أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ للطَّائِفِينَ وَالعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (البقرة/128:125) .

(12) - ومن علامات المحبة توافق المحب مع محبوبه في المنطق والكلام، والتحية والسلام، فتتوافق السلامات بينهما في نفس الأوقات، وتتوافق الكلمات بينهما في إخراج العبارات انظر إلي التوافق العجيب بين الحبيب محمد - وحبيبه أبي بكر الصديق، في ردهما على عمر بن الخطاب، فقد روي البخاري 2734 أن قريشا في صلح الحديبة ألزمت رسول الله - بأشياء لم يرغب فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقَال عمر للنبي:

أَلسْتَ نَبِيَّ اللهِ حَقًّا؟ قَال: بَلي، قُلتُ: أَلسْنَا على الحَقِّ وَعَدُوُّنَا على البَاطِل؟ قَال: بَلي، قُلتُ: فَلمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَال: إِنِّي رَسُولُ اللهِ وَلسْتُ أَعْصِيهِ يا عمر وَهُوَ نَاصِرِي، قُلتُ: أَوَليْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَاتِي البَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَال: بَلي، لكن هل أَخْبَرْتُكَ أَنَّا سنَاتِيهِ هذا العَامَ؟ فقَال عمر: لا، فحثه الرسول على الصبر وقَال مبشرا له: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ، قَال عمر بن الخطاب: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَليْسَ هَذَا نَبِيَّ اللهِ حَقًّا فقَال أبو بكر: بَلي، قال عمر: أَلسْنَا على الحَقِّ وَعَدُوُّنَا على البَاطِل؟ قَال: بَلي، قُلتُ: فَلمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَال: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ لرَسُولُ اللهِ - وَليْسَ يعصى رَبَّهُ وَهُوَ نَاصِرُهُ فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ فَوَاللهِ إِنَّهُ على الحقِّ قُلتُ: أَليْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَاتِي البَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَال: بَلي أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ ستَاتِيهِ هذا العَامَ؟ قُلتُ: لا، قَال: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهـ) فأجاب أبو بكر عمر بجواب رسول الله - حرفا بحرف، توافقا بين المحب ومحبوبه.

(13) - ومن علامات المحبة بكاء المحب من شدة الفرح بمحبوبه فقد روي مسلم عَنْ أَنَس أَنَّ رَسُول اللهِ - قَال لأُبَيٍّ: (إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَليْكَ القرآن قَال: آللهُ سَمَّانِي لكَ؟ قَال: اللهُ سَمَّاكَ لي، فَجَعَل أُبَيٌّ يَبْكِي من شدة الفرح) وفي رواية أحمد: (لما نزلت سورة البينة لمْ يَكُنْ الذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْل الكِتَابِ، قال جبريل عليه السلام: يا محمد إن ربك يأمرك أن تقرئ هذه السورة أبي بن كعب، فقال النبي: يا أبي إن ربي عز وجل أمرني أن أقرئك هذه السورة قَال: آللهُ سَمَّانِي لكَ؟ قَال: نَعَمْ قَال: قَدْ ذُكِرْتُ عِنْدَ رَبِّ العَالمِينَ؟ قَال نَعَمْ فَذَرَفَتْ عَيْنَاه) وبكي أبي بن كعب فرحا وسروا، فالمحبة شجرة في القلب، عروقها الذل للمحبوب وساقها معرفته، وأغصانها خشيته وورقها الحياء منه، وثمرتها طاعته، وماء سقياها ذكره، فمتي خلا الحب عن شيء من ذلك كان حبا ناقصا لم يحقق شرط لا إله إلا الله على الوجه المطلوب، أكتفي بذلك وأقول سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام