فهرس الكتاب
الصفحة 50 من 85

طلب موسي الرؤية شوقا وعبادة، ولم يطلبها تكذيبا وعنادا، كما طلبها قومه فقالوا لموسي: {لنْ نُؤْمِنَ لكَ حتى نَرَي اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} (البقرة/55) ولكن موسي طلب رؤية الله طاعة وقربا، ورغبة وحبا، ولهذا كانت أعظم نعمة ينالها المسلم في الدنيا، نعمة المراقبة لله، وأن يعبد الله كأنه يراه، وكذلك فإن النظر إلي الله عند لقياه، أعظمُ نعمة يوم القيامة ينعم بها الموحدون، فالمؤمنون يتلذذون بالنظر إلي وجهه الكريم، وهم في جنات النعيم، وقد كان من دعائه: (وَأَسْأَلُكَ لذَّةَ النَّظَرِ إِلي وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلي لقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلا فِتْنَةٍ مُضِلةٍ اللهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإيمان وَاجْعَلنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ) وهو حديث إسناده قوي رواه النسائي وابن حبان في صحيحه.

وقال تعالى في شأن أوليائه وأحبائه عند لقائه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (القيامة/23:22) وروي البخاري عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَال: (كُنَّا جُلُوسًا ليْلةً مَعَ النَّبِيِّ - فَنَظَرَ إِلي القَمَرِ ليْلةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَقَال: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا لا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلبُوا على صَلاةٍ قَبْل طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْل غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا، ثُمَّ قَرَأَ(وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْل طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْل الغُرُوبِ) ، وفي سنن الترمذي عن صهيب الرومي رضي الله عنه أنه قَال: (تَلا رَسُولُ اللهِ - هَذِهِ الآيَةَ:(للذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَي وَزِيَادَةٌ) وَقَال: إِذَا دَخَل أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، نَادَي مُنَادٍ: يَا أَهْل الجَنَّةِ، إِنَّ لكُمْ عِنْدَ اللهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ يُنْجِزَكُمُوهُ، فَيَقُولُونَ: وَمَا هُوَ؟ أَلمْ يُثَقِّل اللهُ مَوَازِينَنَا وَيُبَيِّضْ وُجُوهَنَا وَيُدْخِلنَا الجَنَّةَ وَيُنْجِنَا مِنَ النَّارِ؟ قَال: فَيَكْشِفُ الحِجَابَ فَيَنْظُرُونَ إِليْهِ فَوَاللهِ مَا أَعَطَاهُمُ اللهُ شَيْئًا أَحَبَّ إِليْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِليْهِ وَلا أَقَرَّ لأَعْيُنِهِمْ).

(2) - ومن علامات المحبة التي تدل على صدق المحب في دعواه أنه لا إله إلا الله، غض الطرف عند نظر المحبوب إليه، وخفض البصر بين يديه، وذلك من مهابته وعظمته، وخشيته في صدره وتواضعه لقدره، فإذا كان ملوك الأرض يستهجنون من يخاطبهم وهو يحد النظر إليهم ويستقبحون من يكلمهم بغير التواضع إليهم، فما بالنا بملك الملوك من فوق عرشه وهو مطلع على خلقه، إذا وقفت بين يديه فليكن الخشوع كساءا لتواضعك، ولتكن المهابة دليلا على صدق محبتك، ولهذا اشتد نهي النبي أن يرفع المصلي بصره إلي السماء، وتوعدهم على ذلك بالبلاء، فينبغي أن تقف بين يدي الله وأن في الصلاة ناكس الرأس مطرقا، تتلو آياته وذكره مدققا، روي البخاري عن أَنَس بْن مَالكٍ عن النَّبِيُّ - أنه قال: (مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلي السَّمَاءِ فِي صَلاتِهِمْ، - يقول أنس - فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلكَ حتى قَال: ليَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلكَ أَوْ لتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ) .

وانظر إلي كمال أدب رسول الله في ليلة الإسراء لما عرج به إلي السماء: {فَأَوْحَي إِلي عَبْدِهِ مَا أَوْحَي قال تعالى مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَي} (النجم/18:11) وهذا غاية الأدب فإن البصر ما طغي، ولا طمع ولا بغي، فلم يتجاوزا إلي غير ما هو رائيه، ولم يقبل على غير ما هو فيه، ولذلك فإن رسول الله - لما سأله أبو ذر رضي الله عنه هل رأيت ربك يا رسول الله؟ قال: (نُورٌ أَنَّي أَرَاه) رواه مسلم 178.

(3) - ومن علامات المحبة الغيرة للمحبوب، فالغيرة للمحبوب أن يكره ما يكرهه المحبوب ويغار إذا عصي في كل مطلوبه، فيغار العبد لربه إذا انتهكت حرماته، وضيعت كلماته، فهذه غيرة المحب على معبوده حقا، ودين الله يندرج تحتها صدقا، فأقوي الناس دينا أعظمهم غيرة لله، روي البخاري 7416 بسنده أن سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قال: (لوْ رَأَيْتُ

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام