فهرس الكتاب
الصفحة 4 من 85

أَنْتَ العَليمُ الحَكِيمُ قَال يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَال أَلمْ أَقُل لكُمْ إِنِّي أَعْلمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ) (البقرة/31) .

فآدم عليه السلام تعلم الأسماء وخصائص الأشياء مرة واحدة، وكذلك فعل الله بعيسي عليه السلام بعد نزوله من بطن أمه وبعد ادعاء قومة أنه ولد من الزني، تجمعت الكلمات بقدرة الله في لحظات، وأدركها عيسي عليه السلام بعقله واستوعبها بقلبه حتى اجتمع البيان لديه ونزلت حكمة الله عليه، فلما أشارت أمه إليه (قَالُوا كَيْفَ نُكَلمُ مَنْ كَانَ فِي المَهْدِ صَبِيًّا قَال إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِي الكِتَابَ وَجَعَلنِي نَبِيًّا وَجَعَلنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالدَتِي وَلمْ يَجْعَلنِي جَبَّارًا شَقِيًّا وَالسَّلامُ على يَوْمَ وُلدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) .

سبحان الله أطفل صغير ينطق بهذه الكلمات؟ ويعرف كل هذه المعلومات ويفهم لوازم العبارات (إِنَّ مَثَل عِيسَي عِنْدَ اللهِ كَمَثَل آدَمَ خَلقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَال لهُ كُنْ فَيَكُونُ) ، (ذَلكَ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ قَوْل الحَقِّ الذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ مَا كَانَ للهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَي أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لهُ كُنْ فَيَكُونُ) ، فالله عز وجل قادر على أن يعلم الناس ما يشاء كما قال سبحانه وتعالي: (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ) البقرة، ولكنه من حكمته جعل العلم بين الناس درجات، وجعل طلبه نوعا من أنواع الابتلاءات، ليجتهد الناس في جمعه وتحصيله، ويتعرفوا على الشيء بدليله، وليعلموا منزلة الأنبياء، وأهمية الوحي الذي نزل من السماء، ولذلك كان أكثر الناس خشية لله هم العلماء كما قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَي اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلمَاءُ) فاطر/28.

فآيات القرآن أثبتت للإنسان جهازا للإدراك شاملا متكاملا أساسه في القلب، أول مهامه إدراك الأشياء ومعرفة الأسماء، وتمييز خصائصها والتعرف على أوصافها، يقول تعالى: (أَفَلمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَي الأَبْصَارُ وَلكِنْ تَعْمَي القُلُوبُ التِي فِي الصُّدُورِ) ، وقال أيضا ً: (وَلقَدْ ذَرَانَا لجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الجِنِّ وَالإِنسِ لهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلئِكَ كَالأَنْعَامِ بَل هُمْ أَضَلُّ أُوْلئِكَ هُمْ الغَافِلُونَ) .

وقد أمر الله عبادة باستخدام هذا الجهاز الإدراكي في النظر إلي الإبداع الكوني، والتأمل في خلق السماوات والتفكر في سائر المخلوقات، (إِنَّ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ الليْل وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولي الأَلبَابِ الذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) .

وقال تعالى: (أَفَلمْ يَنْظُرُوا إِلي السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لهَا مِنْ فُرُوجٍ وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُل زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَي لكُل عَبْدٍ مُنِيبٍ وَنَزَّلنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الحَصِيدِ وَالنَّخْل بَاسِقَاتٍ لهَا طَلعٌ نَضِيدٌ رِزْقًا للعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلدَةً مَيْتًا كَذَلكَ الخُرُوجُ) .

وقال أيضاً: (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلي الإِبِل كَيْفَ خُلقَتْ وَإِلي السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلي الجِبَال كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلي الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ) .

-الحق سبحانه وتعالي يدعوا عباده إلي توحيد الربوبية بطريقين اثنين:

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام