فهرس الكتاب
الصفحة 3 من 85

طالما أن هذه الرسالة فيها النجاة من غضب الله، وفيها القرب من حبه ورضاه، فكلمة التوحيد عقد بينك وبين الله، التزمت به يوم قلت أشهد ألا إِلهَ إِلا اللهُ وأن محمدا رسول الله وهو خير عقد يجب على المسلم أن يوفي فيه بالتزاماته ويؤدي ما عليه من واجباته، لقول الله تعالى في محكم آياته: (يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) .

وإذا كان كل عقد بين البشر له قواعد وأحكام، وشروط جزاء يضعونها للالتزام، وكان كل إنسان قبل أن يوقع على أي عقد يقرأ شروطه بإمعان وإتقان، فحري بالمسلم الصادق في إسلامه، أن يعرف مضمون العقد الذي بينه وبين الله، عندما شهد ألا معبود بحق سواه، ولذلك أوجب الله علينا السؤال فقال: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) .

-وهناك أمران لازمان لمعرفة الإنسان عقد التوحيد وصدقِ شهادة العبيد أنه لا إله إلا الله:

الأمر الأول: معرفة الأسماء وحدودِ الأشياء والعلمُ بخصائصها، والإنسان منا يكتسب هذا العلم تلقائيا في حياته إلي يوم وفاته ومماته، لكن الله من عدله وحكمته ومن فضله ورحمته أنه لا يكلف إنسانا في طفولته، كما قال نبينا المصطفي صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ: (رُفِعَ القَلمُ عَنْ ثَلاثَةٍ عَنِ النَّائِمِ حتى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّبِيِّ حتى يَشِبَّ وَعَنِ المَعْتُوهِ حتى يَعْقِل، وفي رواية رُفِعَ القَلمُ عَنْ الغُلامِ حتى يَحْتَلمَ) ، وهو حديث صحيح رواه الترمذي وصححه الشيخ الألباني.

وبنو آدم يكتسبون معرفة الأسماء ويتعلمون حدود الأشياء من العالم المحسوس بعد ولادتهم، فيتعلمون ذلك شيئا فشيئا، ومن عجيب الصنعة وكمال الخلقة، أن الله سبحانه وتعالي أوجد في الإنسان جهازا متكاملا للإدراك والتمييز، يشبهه إلي حد كبير جهاز الكمبيوتر، حيث يشتمل على عقل الكتروني لتحليل المعلومات، ويشتمل أيضا على وسائل لإدخال البيانات، ووسائل أخرى لحفظ الملفات، ويشتمل على أدوات لإخراج المعلومات من الجهاز، فالله وله المثل الأعلى خلق الإنسان وعلمه البيان، نزل الإنسان من بطن أمه مؤهلا للعلم، صالحا للتمييز والفهم، يقبل أي برنامج للحياة، والسعيد من وفقه الله إلي برامج الشرع فحملها في قلبه، واستحضرها في عقله واستضاء بنور الله كما قال تعالي: (إِنَّا خَلقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَليهِ فَجَعَلنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيل إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) ، وقال: (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلمُونَ شَيْئًا وَجَعَل لكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لعَلكُمْ تَشْكُرُونَ) .

أوجد للإنسان عقلا في القلب يقوم بتمييز المعلومات وتخزينها، وأوجد له حواسا لإدخال المعلومات وإخراجها، فالسمع والبصر وبقية الحواس، وسائل خلقها الله لتجميع المعلومات، وهي أيضا وسائل لإظهار البيانات، والناس يتعلمون الأسماء ويعرفون الأشياء شيئا فشيئا، فربما يتعلم الطفل الصغير في ساعة واحدة أو بضعِ ساعات كلمة واحدة أو بضع كلمات، كل يوم يزداد علمه وتقوى معرفته للأسماء وتمييز الأشياء، فيقال له: هذه هرة وهذه جرة وهذه بقرة وهذه شجرة إلي غير ذلك من الأسماء، ويبين له أن لماذا فعلنا هذا، وهذا يصلح لهذا، وهذا لا يصلح لذاك، حتى يصل عند البلوغ إلي حصيلة علمية، تكفي لتكليفة بالأحكام الشرعية، وإدراك الغاية من هذه الحياة وكيف يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا.

ومن العجيب أن العلم الذي يحصله الإنسان في سنوات، علمه الله لآدم عليه السلام في لحظات، فتعلم الأسماء وخصائص الأشياء مرة واحدة، ونزلت المعلومات بقدرة الله على قلبه دفعة واحدة، فقال تعالى: (وَعَلمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ على المَلائِكَةِ فَقَال أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلمَ لنَا إِلا مَا عَلمْتَنَا إِنَّكَ

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام