فهرس الكتاب
الصفحة 36 من 85

قَال: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللهِ لا أَزِيدُ على هَذَا وَلا أَنْقُصُ، قَال رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ: أَفْلحَ إِنْ صَدَقَ.

وروي البخاري عن أبي هريرة (، قال: (لمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ، أُهْدِيَتْ للنَّبِيِّ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ، فَقَال النَّبِيُّ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ اجْمَعُوا إِليَّ مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ يَهُودَ، فَجُمِعُوا لهُ، فَقَال: إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَهَل أَنْتُمْ صَادِقِيَّ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، قَال: لهُمُ النَّبِيُّ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ مَنْ أَبُوكُمْ؟ قَالُوا: فُلانٌ، فَقَال: كَذَبْتُمْ بَل أَبُوكُمْ فُلانٌ، قَالُوا صَدَقْتَ، قَال: فَهَل أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلتُ عَنْهُ، فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا القَاسِمِ، وَإِنْ كَذَبْنَا عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِي أَبِينَا، فَقَال لهُمْ: مَنْ أَهْلُ النَّارِ، قَالُوا: نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا ثُمَّ تَخْلُفُونَا فِيهَا، فَقَال النَّبِيُّ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ: اخْسَئُوا فِيهَا، وَاللهِ لا نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا، ثُمَّ قَال: هَل أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلتُكُمْ عَنْهُ، فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا القَاسِمِ، قَال: هَل جَعَلتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا، قَالُوا: نَعَمْ، قَال: مَا حَمَلكُمْ على ذَلكَ؟ قَالُوا: أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا نَسْتَرِيحُ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لمْ يَضُرَّكَ.

وهنا سؤال؟ كيف يكون الصدق شرطا من شروط كلمة التوحيد؟ الصدق المنافي للكذب شرط من شروط لا إله إلا الله، ويلزم في ذلك أن يقول العبد لا إله إلا الله صدقا من قلبه يتوافق القلب واللسان عند النطق بها، ويرسخ في اعتقاده الصدق بها، ومهما ابتلي في الحياة فلن يشك في صدقها، قال الله تعالى: (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلقَدْ فَتَنَّا الذِينَ مِنْ قَبْلهِمْ فَليَعْلمَنَّ اللهُ الذِينَ صَدَقُوا وَليَعْلمَنَّ الكَاذِبِينَ) .

وقال تعالى في شأن المنافقين، الذين قالوا آمنا وهم غير صادقين: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِاليَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَالذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللهُ مَرَضًا وَلهُمْ عَذَابٌ أَليمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) ، وكم ذكر الله تعالى من شأنهم، وأبدي للناس سوء نفاقهم، وأظهر ما كان في قلوبهم، وبين للجميع عدم صدقهم، وفضحهم وكشف سترهم، وأنزل سورة كاملة في شأنهم وغير ذلك من سور القرآن، وفي الصحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: (ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار) ، فاشترط النبي صلي الله عليه وسلم لقائلها حتى ينجو من النار، أن يقولها صدقا من قلبه، وعزما على تنفيذ أمره، فلا ينفعه مجرد اللفظ بدون مواطأة القلب، فلا بد في الصدق من تنفيذ العهد، الذي قطعه العبد على نفسه بشهادة التوحيد، والوعد الذي سيؤدي فيه حق الله على العبيد، أن يعبد الله ولا يشرك به شيئا.

كيف يكون الصدق شرطا من شروط لا إله إلا الله؟ إذا عاهدت من أحببت على أن تشهد في المحكمة أنه برئ من تهمة القتل، وقد رأيته بريئا بالفعل، وأنت تعلم أنك سبب نجاته، وشهادتك بالحق فيها بقاء حياته، ثم جاء يوم الحكم، فأقسمت أمام القاضي على أن تقول الحق، ولا شيء غير الصدق، ثم كذبت أمام القاضي وأخلفت، وشهدت بقول الزور وبالغت، حتى حكم القاضي على صحبك بالإعدام، ونفذ فيه الحكم بعد أيام، ألا تستحق لعدم الصدق، أن تكون أتعس الخلق، وأن تستحق أشد العذاب، وتستوجب أسوأ العقاب؟

فكيف يا من عاهدت الله على أن تنقذ نفسك من النار، وأن تفر من غضب الجبار، لما حذرك الله تعالى فقال: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العَذَابُ الأَليمُ) ، وأي عذاب أشد من عذاب رب العالمين كما قال

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام