رَبِّ العَالمِينَ) (غافر:65) وقد جعل الله طريقا واحدا للنجاه، هو السبيل لمن أراد الخلاص في دنيه ودنياه، ألا وهو طريق الإخلاص والتوحيد، فأي عمل لا يقبل عند الله إلا بشرطين اثنين:
1 -الشرط الأول: هو الإخلاص لله بتوحيد الحق ونبذ الشرك، وهذا تفسير الركن الأول من شهادة التوحيد وقول العبد أشهد ألا إله إلا الله، يقول تعالى: (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلكَ لمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَل ضَلالا بَعِيدًا) (النساء:116) وقد ورد في تفسير الركن الأول من شهادة الإسلام - أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله - ورد حديث قدسي رواه الإمام مسلم 2985 عن أَبِي هُرَيْرَةَ عن النبي (قال: قَال اللهُ تَبَارَكَ وَتعالي:(أَنَا أَغْنَي الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِل عَمَلا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَه) .
2 -أما الشرط الثاني في قبول العمل: فهو اتباع الرسول (وعدم الابتداع، وهذا هو معني الركن الثاني من شهادة التوحيد وقول العبد: أشهد أن محمدا رسول الله، وقد ورد أيضا في تفسير هذا الركن حديث نبوي رواه الإمام مسلم 1718 عن عَائِشَةَ عن النبي (قَال:(مَنْ عَمِل عَمَلا ليْسَ عَليْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) .
-واعلم عبد الله أن الإخلاص يمنع نوعين من الرياء:
(1 - النوع الأول: هو الرياء الأكبر نعوذ بالله منه وهو النفاق الذي المخرج عن الملة كما كان شأن المنافقين، أيام سيد الأنبياء والمرسلين، كعبد الله بن أبي بن سلول وفرقته، فإنهم أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر والفسوق والعصيان، وقد بين الله شأنهم في القرآن فقال:(وَالذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِاليَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنْ الشَّيْطَانُ لهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا) (النساء:38) فهؤلاء أبعد ما يكون عن وصف المخلصين: (إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلي الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالي يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلا قَليلا مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلكَ لا إِلي هَؤُلاءِ وَلا إِلي هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلل اللهُ فَلنْ تَجِدَ لهُ سَبِيلا) (النساء:143) وهذا الرياء من أعظم الكفر وصاحبه في الدرك الأسفل من النار.
(2 - النوع الثاني من الرياء: الرياء الأصغر ومثاله التصنع للمخلوق وعدم الإخلاص لله تعالى في العبادة بل يعمل لحظ نفسه تارة ولطلب الدنيا تارة أخرى، ولطلب المنزلة والجاه عند الخلق تارة ثالثه، فلله من عمله نصيب ولغيره منه نصيب، وهذا هو الشرك الخفي وهو لا يخرج من الملة كالشرك الأكبر الجلي ولكنه ينقص ثواب العمل وقد يحبطه إذا ازاد واستفحل، لقول الله في الحديث القدسي الذي رواه أَبو هُرَيْرَةَ عن النبي صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ:(أَنَا أَغْنَي الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِل عَمَلا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَه) .
روي أبو نعيم في حلية الأولياء أن الأمير عمر بن هبيرة الذي ولي إمارة العراق في عهد أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك بن مروان أرسل إلي أبي سعيد الحسن البصري وإلي أبي عمر الشعبي واستضافهما شهرا وفي ذات يوم دخل عليهما وهو يتوكأ على عصاه، ثم جلس معظما لهما، وقال للحسن البصري والشعبي: إن أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك يرسل إلي كتبا وأوامر، أعرف أن في تنفيذها الهلكة، فإن أطعته عصيت الله، وإن عصيته أطعت الله عز وجل، فهل تجداني لي معه فرجا ومخرجا؟
فقال الحسن البصري: يا أبا عمرو أجب الأمير؟ فتكلم الشعبي بكلام فيه نفاق، بأن يفعل ما يرضي أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك وواليه عمر بن هبيرة، فقال عمر: ما تقول أنت يا أبا سعيد؟ فقال: أيها الأمير، قد قال الشعبي