وقد روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: (إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَليُلغِ الشَّكَّ وَليَبْنِ على اليَقِينِ فَإِذَا اسْتَيْقَنَ بِالتَّمَامِ فَليَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ قَاعِدٌ فَإِنْ كَانَ صَلي خَمْسًا شَفَعَتَا لهُ صَلاتَهُ وَإِنْ صَلي أَرْبَعًا كَانَتَا تَرْغِيمًا للشَّيْطَانِ.
ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه الترمذي وصححه الشيخ الألباني، أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: (إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي المَسْجِدِ فَوَجَدَ رِيحًا بَيْنَ أَليَتَيْهِ فَلا يَخْرُجْ حتى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ في معني الحديث إِذَا شَكَّ فِي الحَدَثِ فَإِنَّهُ لا يَجِبُ عَليْهِ الوُضُوءُ حتى يَسْتَيْقِنَ اسْتِيقَانًا يَقْدِرُ أَنْ يَحْلفَ عَليْهِ، والشك يحدث الريبة في القلب كما قال تعالى:
(وَلقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالبَيِّنَاتِ فَمَا زِلتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حتى إِذَا هَلكَ قُلتُمْ لنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولا كَذَلكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ) غافر، وقوم صالح (قَالُوا يَا صَالحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْل هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِليْهِ مُرِيبٍ) هود، وقال تعالى (وَقَوْلهِمْ إِنَّا قَتَلنَا المَسِيحَ عِيسَي ابْنَ مَرْيَمَ رَسُول اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لهُمْ وَإِنَّ الذِينَ اخْتَلفُوا فِيهِ لفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لهُمْ بِهِ مِنْ عِلمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) ، فالآية دلت على أن اليقين ينفي الشك والظن، فالشك أن يكون عدم ثبات الأمر في القلب مستويا مع ثباته.
أما الظن فهو زيادة التصديق على التكذيب في القلب، حتى لو امتلأ القلب بالتصديق لكن بقي من التكذيب شيء يسير، فإنه يسمي ظنا ولا يبلغ حد اليقين، كما في موقف المشركين والكافرين من يوم القيامة، فإن تصديقهم به في قرارة أنفسهم أرجح عندهم من التكذيب، كما قال الله تعالى: (وَإِذَا قِيل إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) (الجاثية/32) ، فلما انتقلوا إلي ربهم ورأوا العذاب بأبصارهم، اعترفوا بذنبهم، وندموا على ظنهم، وتمنوا العودة إلي الدنيا ليبلغوا علم اليقين، فقال تعالى في شأنهم: (وَلوْ تَرَي إِذْ المُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَل صَالحًا إِنَّا مُوقِنُون) .
ومن حديث عروة بن الزبير رضي الله عنه، أنه سأل عائشة رضي الله عنها، عن قول الله تعالى: (حتى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) (يوسف/110) ، قُلتُ: يأم المؤمنين أَكُذِبُوا أَمْ كُذِّبُوا؟ قَالتْ: عَائِشَةُ رضي الله عنها كُذِّبُوا، قُلتُ: فَقَدِ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ، فَمَا هُوَ بِالظَّنِّ، قَالتْ: أَجَل لعَمْرِي لقَدِ اسْتَيْقَنُوا بِذَلكَ، فَقُلتُ لهَا: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا؟ - يعني هل ظنوا أن الله خذلهم ولم ينصرهم على أعدائهم - قَالتْ: مَعَاذَ الله، لمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلكَ بِرَبِّهَا، قُلتُ: فَمَا هَذِهِ الآيَةُ؟، قَالتْ: هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُل الذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ، فَطَال عَليْهِمُ البَلاءُ، وَاسْتَاخَرَ عَنْهُمُ النَّصْرُ، حتى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَظَنَّتِ الرُّسُلُ أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ قَدْ كَذَّبُوهُمْ جَاءَهُمْ نَصْرُ الله عِنْدَ ذَلكَ.
فاليقين ينفي الوهم والشك والظن، فإذا صدقت بقلبك تصديقا جازما كاملا لا مجال للتكذيب فيه، فإن ذلك يسمي يقينا، وهو المسمي علم اليقين في قول الله تعالى: (كَلا لوْ تَعْلمُونَ عِلمَ اليَقِينِ لتَرَوْنَ الجَحِيمَ) التكاثر، وهو