حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَكَّةَ , قَتَلَتْ هُذَيْلٌ رَجُلًا مِنْ بَنِي ثَقِيفٍ , بِقَتِيلٍ كَانَ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ . فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَبَسَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ , وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي , وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي , وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ , وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ , لَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا , وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا , وَلَا يُلْتَقَطُ سَاقِطُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ "
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ , قَالَ : ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ , عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ , عَنْ يَحْيَى , قَالَ : ثنا أَبُو سَلَمَةَ , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَكَّةَ , قَتَلَتْ هُذَيْلٌ رَجُلًا مِنْ بَنِي ثَقِيفٍ , بِقَتِيلٍ كَانَ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ . فَقَامَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَبَسَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ , وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي , وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي , وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ , وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ , لَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا , وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا , وَلَا يُلْتَقَطُ سَاقِطُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُدَ , قَالَ : ثنا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ , عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ , فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَبَسَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ الْفِيلَ قَالَ وَلَا يُلْتَقَطُ ضَالَّتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ فَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآثَارِ أَنَّ مَكَّةَ لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلَهُ , وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ وَأَنَّهَا إِنَّمَا أُحِلَّتْ لَهُ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ , ثُمَّ عَادَتْ حَرَامًا كَمَا كَانَتْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , كَانَ دَخَلَهَا يَوْمَ دَخَلَهَا . وَهِيَ لَهُ حَلَالٌ , فَكَانَ لَهُ بِذَلِكَ دُخُولُهَا , بِغَيْرِ إِحْرَامٍ , وَهِيَ بَعْدُ حَرَامٌ , فَلَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ إِلَّا بِإِحْرَامٍ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : إِنَّ مَعْنَى مَا أُحِلَّ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْهَا , هُوَ شَهْرُ السِّلَاحِ فِيهَا لِلْقِتَالِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ , لَا غَيْرَ ذَلِكَ . قِيلَ لَهُ : هَذَا مُحَالٌ , إِنْ كَانَ الَّذِي أُبِيحَ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْهَا , هُوَ مَا ذَكَرْتَ خَاصَّةً , إِذْ لَمْ يَقُلْ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي . وَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَوْ غَلَبُوا عَلَى مَكَّةَ , فَمَنَعُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا , حَلَالٌ لِلْمُسْلِمِينَ قِتَالُهُمْ , وَشَهْرُ السِّلَاحِ بِهَا وَسَفْكُ الدِّمَاءِ , وَأَنَّ حُكْمَ مَنْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي ذَلِكَ فِي إِبَاحَتِهَا , فِي حُكْمِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ . فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ خَصَّ بِهِ فِيهَا , وَأُحِلَّتْ لَهُ مِنْ أَجْلِهِ , لَيْسَ هُوَ الْقِتَالَ . وَإِذَا انْتَفَى أَنْ يَكُونَ هُوَ الْقِتَالَ , ثَبَتَ أَنَّهُ الْإِحْرَامُ . أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ , لِأَبِي شُرَيْحٍ إِنَّ الْحَرَمَ لَا يَمْنَعُ سَافِكَ دَمٍ , وَلَا مَانِعَ خَرِبَةٍ , وَلَا خَالِعَ طَاعَةٍ جَوَابًا لَمَا حَدَّثَهُ بِهِ أَبُو شُرَيْحٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَبُو شُرَيْحٍ , وَلَمْ يَقُلْ لَهُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِنَّمَا أَرَادَ بِمَا حَدَّثْتُكَ عَنْهُ , أَنَّ الْحَرَمَ قَدْ يُجِيرُ كُلَّ النَّاسِ وَلَكِنَّهُ عَرَفَ ذَلِكَ , فَلَمْ يُنْكِرْهُ . وَهَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , فَقَدْ رَوَى ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , ثُمَّ قَالَ : مِنْ رَأْيِهِ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ الْحَرَمَ إِلَّا بِإِحْرَامٍ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ , إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . فَدَلَّ قَوْلُهُ هَذَا , أَنَّ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيمَا أُحِلَّتْ لَهُ لَيْسَ هُوَ عَلَى إِظْهَارِ السِّلَاحِ بِهَا , وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَعْنًى آخَرَ . لِأَنَّهُ لَمَّا انْتَفَى هَذَا الْقَوْلُ , وَلَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ وَغَيْرُ الْقَوْلِ الْآخَرِ , ثَبَتَ الْقَوْلُ الْآخَرُ . ثُمَّ احْتَجْنَا بَعْدَ هَذَا إِلَى النَّظَرِ فِي حُكْمِ مَنْ هُمْ بَعْدَ الْمَوَاقِيتِ إِلَى مَكَّةَ , هَلْ لَهُمْ دُخُولٌ الْحَرَمِ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ أَمْ لَا ؟ . فَرَأَيْنَا الرَّجُلَ إِذَا أَرَادَ دُخُولَ الْحَرَمِ , لَمْ يَدْخُلْهُ إِلَّا بِإِحْرَامٍ , وَسَوَاءٌ أَرَادَ دُخُولَ الْحَرَمِ لِإِحْرَامٍ , أَوْ لِحَاجَةٍ غَيْرِ الْإِحْرَامِ . وَرَأَيْنَا مَنْ أَرَادَ دُخُولَ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي بَيْنَ الْمَوَاقِيتِ , وَبَيْنَ الْحَرَمِ لِحَاجَةٍ , أَنَّ لَهُ دُخُولَهَا بِغَيْرِ إِحْرَامٍ . فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إِذَا كَانَتْ تُدْخَلُ لِلْحَوَائِجِ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ , كَحُكْمِ مَا قَبْلَ الْمَوَاقِيتِ , وَأَنَّ أَهْلَهَا لَا يَدْخُلُونَ الْحَرَمَ إِلَّا كَمَا يَدْخُلُهُ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ وَرَاءَ الْمَوَاقِيتِ إِلَى الْآفَاقِ . فَهَذَا هُوَ النَّظَرُ عِنْدِي فِي هَذَا الْبَابِ , وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا قَلَّدُوا فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ