عنوان الفتوى : حكم اقتداء النساء بالإمام في غرف المساجد الخاصة بهن
توجد في بعض المساجد غرف خاصة لصلاة النساء .. وقد سمعت أنه حتى تصلي جماعة مع الإمام .. لابد أن تتصل الصفوف .. ويرى كل صف الصف الذي أمامه ..فإذا دخلت المرأة هذه الغرفة في وقت الفريضة لتصلي مع المصلين مقتدية بالإمام ..1- فهل تصح صلاتها في هذه الغرفة المنفصلة ؟2- وهل يجوز لها أن تصلي مقتدية بالإمام ( وهي منفردة و من خلال متابعة الصوت في مكبر في الغرفة ) ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تكلم الفقهاء رحمهم الله في مسألة ما إذا كان بين الإمام والمأموم حائل يمنع رؤية الإمام، ومن وراءه، فمنهم من قال: لا يصح الائتمام به في هذه الحالة، لعدم رؤيته، ولعدم اتصال الصفوف، فلا يكفي سماع صوته فقط.
ومنهم: من صحح الاقتداء به، ومنهم: من فرق بين ما إذا كانت غرفة معدة للصلاة خارج المسجد، فلم يجوزوا الصلاة فيها، بخلاف ما إذا كانت الغرفة داخل المسجد، ومن هنا فالمسألة خلافية بين العلماء، وإليك بعض نصوص الفقهاء:
قال في مختصر خليل: (ومسِّمع واقتداء به، أو برؤيته، وإن بدار).
قال في مواهب الجليل: وقوله: (ومسمع واقتداء به، أو برؤيته، وإن بدار.
هو لما أفتى به مالك في المدونة، ونص ما فيها: وقال مالك: ولو أن دوراً محجوراً عليها، صلى قوم فيها بصلاة الإمام في غير جمعة، فصلاتهم تامة، إذا كانت لتلك الدور كوى ومقاصير يرون منها ما يصنع الناس أو الإمام، فيركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده، فذلك جائز، وكذلك إذا لم يكن لها كوى ولا مقاصير يرون ما يصنع الناس والإمام، إلا أنهم يسمعون الإمام، فيركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده). ا.هـ.
وفي المدونة عن ابن وهب عن سعيد بن أيوب عن محمد بن عبد الرحمن: أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كنّ يصلين في بيوتهن بصلاة أهل المسجد.
وروى ابن وهب: أخبرني رجال من أهل العلم عن عمر بن الخطاب، وأبي هريرة، وعمر بن عبد العزيز، وزيد بن أسلم، وربيعة مثله، إلا عمر بن الخطاب قال: ما لم تكن جمعة). مواهب الجليل (1/269) لـ أحمد بن المختار الجكني.
وقال في المهذب: (وإن كان بينهما حائل نظرت: فإن كانت الصلاة في المسجد، بأن كان أحدهما في المسجد والآخر على سطحه، أو في بيت منه لم يضر، وإن كان في غير المسجد نظرت: فإن كان الحائل يمنع الاستطراق (أي: المرور والعبور ) والمشاهدة لم تصح صلاته، لما روي عن عائشة رضي الله عنها: "أن نسوة كن يصلين في حجرتها بصلاة الإمام، فقالت: لا تصلين بصلاة الإمام، فإنكن دونه في حجاب".
وإن كان بينهما حائل يمنع الاستطراق دون المشاهدة كالشباك، ففيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز، لأن بينهما حائلاً يمنع الاستطراق، فأشبه الحائط.
والثاني: يجوز، لأنه يشاهدهم، فهو كما لو كان معهم.
وإن كان بين الإمام والمأموم نهر، ففيه وجهان:
قال أبو سعيد الاصطخري: لا يجوز، لأن الماء يمنع الاستطراق، فهو كالحائط. والمذهب: أنه يجوز، لأن الماء لم يخلق للحائل، وإنما خلق للمنفعة، فلا يمنع الائتمام كالنار). المجموع شرح المهذب للنووي (4/193).
وقال النووي: (لو صلى في دار أو نحوها بصلاة الإمام في المسجد، وحال بينهما حائل لم يصح عندنا، وبه قال أحمد.
وقال مالك: تصح إلا في الجمعة. وقال أبو حنيفة: تصح مطلقاً.
وقال النووي أيضاً: يشترط لصحة الاقتداء علم المأموم بانتقالات الإمام، سواء صليا في المسجد، أو في غيره، أو أحدهما فيه، والآخر في غيره. وهذا مجمع عليه.
قال أصحابنا: ويحصل له العلم بذلك بسماع الإمام، أو من خلفه، أو مشاهدة فعله، أو فعله من خلفه، ونقلوا الإجماع في جواز اعتماد كل واحد من هذه الأمور، فلو كان المأموم أعمى اشترط أن يصلي بجنب كامل، ليعتمد موافقته مستدلا بها). المجموع (4/200).
وعند الحنابلة روايتان عن الإمام أحمد.
قال ابن قدامة: ( فإن كان بين الإمام والمأموم حائل يمنع رؤية الإمام، أو من وراءه، فقال ابن حامد: فيه روايتان:
إحداهما: لا يصح الائتمام به. اختاره القاضي، لأن عائشة قالت لنساء كن يصلين في حجرتها: "لا تصلين بصلاة الإمام، فإنكن دونه في حجاب" ولأنه لا يمكنه الاقتداء في الغالب.
والثانية: يصح... ولأنه أمكنه الاقتداء بالإمام، فصح اقتداؤه به من غير مشاهدة كالأعمى، ولأن المشاهدة تراد للعلم بحال الإمام، والعلم يحصل بسماع التكبير، فجرى مجرى الرؤية، ولا فرق بين أن يكون المأموم في المسجد، أو في غيره.
واختار القاضي أنه يصح إذا كانا في المسجد، ولا يصح في غيره... (المغني 3/45).
وحاصل المذاهب أنه يصح أقتداء المأموم بالإمام إذا كان في المسجد، مطلقاً، سواء رأى الإمام أو من وراءه، أولا، أو كان بينهما حائل أو لا، إذا سمع التكبير فإن كان المأموم خارج المسجد اشترط في صحة اقتدائه شرطان: الأول: سماع التكبير، والثاني: رؤية الإمام أو رؤية من وارءه من المأمومين، ولو في بعض الصلاة، أو من شباك، ولو كان بينهما أكثر من ثلاثمائة ذراع، ولا يشترط اتصال الصفوف على الصحيح من المذاهب، إلا أن يكون بينهما طريق فيشترط ذلك.
وبناء على ما تقدم، فإذا كانت الغرفة الخاصة المعدة لصلاة النساء في المسجد صح اقتداوهن بالإمام، إذا كن يسمعن التكبير، لا فرق في ذلك بين أن يكن جماعة من النساء أو امرأة بمفردها تقتدي بالإمام وإن كانت الغرفة خارج المسجد، لا يتمكن من فيها من رؤية الإمام أو المأمومين، فلا يصح الاقتداء حينئذ على مذهب الشافعية والحنابلة، ويصح على مذهب المالكية ومن وافقهم والأحوط اجتناب ذلك.
والله أعلم.