عنوان الفتوى : ما يلزم السائق المخمور المتسبب في قتل اثنين
الحادث الذي سأقوم بإذن الله بوصفه حدث ببلدية شلغوم العيد ولاية ميلة، الجزائر.سؤالي هذا هو عن الحكم الشرعي المتعلق برجل صدم بسيارته 3 أشخاص قتل منهما اثنان، و أصيب الثالث بجروح بليغة. و تفاصيل الحادث كالتالي: كان الضحايا الثلاثة (مع صديقين آخرين) يرافقون أحدهم إلى منزله، و كان الخمسة يمشون على الرصيف (علوه حوالي 30 سم)، بعيدا عن طريق السيارات، و إذا بهم يلمحون صاحب السيارة يقود سيارته بشكل جنوني (على بعد حوالي 100 متر أو تزيد) و بسرعة تفوق بكثير السرعة المشروعة قانونيا داخل المدينة (فيخالف بذلك قانون المرور، و قد كان في حالة سكر بشهادة شخص كان يركب معه)، و هو يسابق إحدى السيارات و كأنه في حلبة سباق، فيلعب بسيارته ذات اليمين و ذات الشمال. لم يظن أحد منهم أن صاحب السيارة سيصل إليهم، خاصة و أنهم على الرصيف. و لكن حصل ما لم يكن في الحسبان، فجراء تهوره فقد صاحب السيارة السيطرة على سيارته (التي كانت من طراز رفيع و رباعية الدفع)، فصعد على الرصيف، وحاول الضحايا الهرب منه و لكن لشدة سرعة السيارة و قوتها لحقت بهم و صدمتهم، و لاذ صاحب السيارة بالفرار بعد الحادث. سؤالي هو عن الحكم الشرعي الذي يترتب على سائق السيارة، و عن نوع القتل في الشريعة الإسلامية، هل هو قتل عمد أو خطأ، مع العلم أن السائق كان في حالة سكر، و تعدى قانون المرور بسياقته المتهورة و الفائقة السرعة وسط منطقة تعج بالسكان و المارة، و مع العلم أن كل الضحايا كانوا على الرصيف بل حاولوا الهروب أبعد من ذلك لتفادي السيارة. و أخيرا، بالإضافة إلى عرض الإجابة على موقع الأنترنت، أتمنى أن تكون الإجابة - إن أمكن – رسالة خطية من طرف أحد شيوخنا الكبار، لأننا نريد بذلك استعماله لتحسيس الرأي العام، و الضغط على الإدارة لممارسة عقوبات صارمة على فاعلي مثل هذه التصرفات، و سن قوانين صارمة لمعاقبة شاربي الخمر ومخالفي قوانين المرور، محاولين منا بذلك حفظ أرواح المسلمين. و بارك الله فيكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن قائد السيارة المذكورة فعل أفعالا منكرة ومخالفات شرعية تستوجب عقوبته وإقامة حد الشرع عليه حتى يرتدع هو وأمثاله عن هذه المنكرات والجرائم، فتناول المسكر جريمة نكراء وكبيرة عظمى من أعظم الكبائر، فقد قال الله عزوجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ { المائدة:90-91 }، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: الخمر أم الخبائث. وفي رواية: أم الفواحش، فمن شربها لم تقبل له صلاة أربعين يوما، فإن مات وهي في بطنه مات ميتة جاهلية. رواه الطبراني ، وإقدام الرجل على القيادة في حالة السكر جريمة أخرى تستوجب العقاب وكذلك مخالفته لقوانين المرور وغير ذلك من الأمور التي تعرض حياة الناس وممتلكاتهم للخطر، فكل ذلك يستحق بموجبه العقوبة الصارمة ، فقد قرر أهل العلم وجوب الالتزام بالقوانين والنظم المعمول بها والتي تنظم شؤون الناس وأمور حياتهم ما لم تخالف الشرع، والظاهر أن الحكم الذي يترتب على هذا السائق هو ما يترتب على القتل الخطأ من الكفارة عن كل قتيل ولزوم الدية على عاقلته لكل قتيل أيضا لأن الظاهر من الحادث أنه لم يكن يقصد القتل، ولذلك فهو قتل خطأ، وقد عرف أهل العلم القتل العمد بقولهم: هو قصد الفعل والشخص بما يقتل قطعا أو غالبا. كما في الموسوعة الفقهية وغيرها، والكفارة هي المذكورة في قول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا { النساء:92 } فهذا ما يترتب على القتل الخطأ ، وللمزيد من الفائدة والتفصيل وأقوال أهل العلم حول هذا الموضوع نرجو أن تطلع على الفتاوى التالية أرقامها: 21604 / 11470 / 47073 وما أحيل عليه فيها .
الله أعلم.