عنوان الفتوى : أقوال العلماء في زوجية من ارتد ثم تاب
اعذروني على الإطاله ولكني أود أن أشرح الموضوع بالتفصيل ليكون لكم معرفة بالموضوع بكامله أفتونا في شخص كان يصلي ويترك وأراد التوبه فتاب وحاول المحافظة على الصلاة فكانت تأتيه وساوس في الدين وغير ذلك. في يوم من الأيام كان للأسف مسترسلا في وسواس فنطق بجملة مقتضاها كفر وربما كان مصدقا بها حين نطقها. أحس بالكفر ولم يصدق ما فعل فاستغفر الله ونطق الشهادتين وأعاد ذلك في منزله لشكه في صدق ايمانه وتوبته.المهم أنه بعد ذلك بقي محافظا على الصلاة وتزوج وهو على خير من صلاة وإيمان..والله أعلم بعد زواجه بفترة .. حصل منه أن أضاع الصلاة عدة مرات ..فكان يتوب بأن يقول إن كان قد دخل في الكفر فهو يدخل الإسلام من جديد ومن ثم ينطق بالشهادتين (لايغتسل) ويقضي ما أضاع من صلوات. لم يرض بالحال الذي هو فيه فأراد أن يتوب توبة نصوحا من ذنوب عديدة بحيث تكون هذه التوبة بداية جديدة لا يعود بعدها إلى إضاعة الصلاة وغيرها. لهذه التوبة ظن أن الطريقة الأولى لتوبته من قطع الصلاة غير خالصة حيث إنه يجب الاعتراف بالذنب فيجب أن يعترف بالكفر (حيث إن ترك الصلاه كفر) ثم ينطق بالشهادتين لا أن يقول كما كان يقول (_إن كان_ قد دخل في الكفر ..الخ) – إضافة الى ذلك- تذكر هذا الرجل ما نطق من كفر قبل زواجه ولم يعلم إن كان تاب كما يجب بأن كفر أو رفض بما نطق وما إذا كان اغتسل بعد ذلك أم لا....فأراد أن يتوب مجددا مما نطق قبل زواجه في توبته الأخيرة مع الذنوب الأخرى. كان الحل أمامه أن يحسب نفسه (ويعترف) أنه كان على الكفر حتى الآن ويدخل في الإسلام من جديد أو كأنه دخل الإسلام أول مرة في حياته (يرجو بداية جديدة بعيدة عن ذنوبه التي خلت) ...انتهى س1 – بما تنصحون هذا الشخص إن كانت طريقة توبته خاطئة؟س2 – هل الاعتراف بالكفر هنا (لا حبا ولا رضا فيه وإنما لغرض التوبة الصحيحة) مخرج من الملة وناقض لعقد الزواج؟س3 – إن كان عقد الزواج قد انتقض. فكيف التجديد علما أنه لا يعلم عن ذنوب هذا الشخص أحد إلا الله ويظن الناس به خيرا -والله أعلم-؟ كيف يشرح سبب التجديد لزوجه وأهله من دون أن يجاهر بذنوبه؟ جزاكم الله عن المسلمين كل خير ووفقكم إلى الصواب في جميع فتاواكم واعذرونا على الإطالة. نرجو منكم الرد بشكل خاص على البريد الاكتروني إلا أن تعلموا أن في نشر هذا في موقع الشبكه خيرا للمسلمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن العبد إذا أذنب ثم ندم وتاب توبة نصوحا تاب الله عليه وغفر له ، ولا يطلب منه الاعتراف أمام الناس بل يعترف لله بذنبه ويستغفره ويستر نفسه, فقد شرع الله تعالى لعباده التوبة والإنابة إليه وحثهم عليها ورغبهم فيها, ووعد التائب بالرحمة والغفران مهما بلغت ذنوبه فمن جملة ذلك قوله جلا وعلا : قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ { الزمر: 53 -54 } وقال تعالى : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ { البقرة : 222 } وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ { الشورى : 25 } وقال الله تعالى : إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا { الفرقان :70 } وقال الله تعالى : وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا { النساء:110} وقال الله تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ { المائدة: 39 } وقال تعالى : كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ { الأنعام : 54 } وقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا عائشة إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله, فإن التوبة من الذنب الندم والاستغفار. رواه أحمد وهو صحيح كما قال الشيخ الألباني . وفي رواية البخاري .... وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه . وفي حديث البخاري : سيد الاستغفار أن تقول : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت, خلقتني, وأنا عبدك, وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك علي, وأبوء بذنبي, فاغفر لي, فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، ومن قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة. وفي الحديث : اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها ، فمن ألم فليستتر بستر الله ، وليتب إلى الله. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي . وروى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل أمتي معافى إلا المجاهرين ، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ، ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول : يا فلان عملت البارحة كذا وكذا ، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عليه .
وقد تضافرت دلائل الكتاب والسنة على وجوب التوبة ولزوم المبادرة إليها، وأجمع على ذلك أئمة الإسلام رحمهم الله تعالى. إذا عُلِم ذلك فإن التائب تتحقق توبته بخمسة شروط :-
الشرط الأول : الإخلاص, وهو أن يقصد بتوبته وجه الله عز وجل.
الشرط الثاني: الإقلاع عن الذنب .
الشرط الثالث: الندم على فعله.
الشرط الرابع : العزم على عدم الرجوع.
الشرط الخامس : أن تكون التوبة قبل أن يصل العبد إلى حال الغرغرة عند الموت .
ولا يؤثر على التوبة مما مضى نكوص العبد ورجوعه للذنب بعد ذلك؛ لما في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن عبدا أصاب ذنبا, وربما قال أذنب ذنبا فقال: رب أذنبت وربما قال أصبت فاغفر لي ، فقال ربه : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي ، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا أو أذنب ذنبا فقال رب : أذنبت أو أصبت آخر فاغفره ، فقال : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ، غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا وربما قال :أصبت ذنبا قال :قال رب أصبت أو قال أذنبت آخر فاغفره لي ، فقال : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ، غفرت لعبدي ثلاثا فليعمل ما شاء .
قال النووي : وفي الحديث أن الذنوب ولو تكررت مائة مرة بل ألفا وأكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته ، أو تاب عن الجميع توبة واحدة صحت توبته . وقوله في الحديث: اعمل ما شئت؛ معناه: ما دمت تذنب فتتوب غفرت لك . وليعلم أنه ليس في الحديث ترخيص في فعل الذنوب ، ولكن فيه الحث على التوبة لمن وقع في الذنب ، وأنه لا يستمر على فعله ، وقد قال بعضهم لشيخه : إني أذنبت، قال تب ، قال ثم أعود ، قال : تب ، قال : ثم أعود ، قال تب ، قال : إلى متى ؟ قال إلى أن تحزن الشيطان .
وأما الوساوس التي تعرض للعبد فيجب عليه دفعها وعدم الاسترسال معها أو التمادي فيها ، وذلك علامة من علامات الإيمان؛ كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه : إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به ، قال : أو قد وجدتموه؟ قالوا: نعم ، قال : ذلك صريح الإيمان .
وأما اعتراف العبد لله بما حصل منه وهو نادم عليه تائب منه فلا يكفر به ولا يخرج من الملة ولا تطلق به الزوجة .
وأما من يصلي أحيانا ويترك أحيانا فلا يكفرعند الجمهور ، وإن كان على خطر عظيم لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خمس صلوات كتبهن الله على العباد ، فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ، ومن لم يأت بهن فليس له عند عهد ، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة. رواه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي بإسناد صحيح ، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . وإن كان هذا الرجل قد اعتقد وقال ما هو كفر عند علماء المسلمين فإنه قد وقع في الكفر ، لكنه لا يحكم بكفره حتى تستوفى شروط تكفير المعين ، وتنتفي عنه موانع تكفير المعين كما هو مبين في الفتوى رقم: 721 والفتوى رقم: 14489 ، وننصحه بمقابلة أحد القضاة أو العلماء ليسمع منه ما قال ويفصل له موضوعه حتى يعلم هل يكفر بذلك أم لا ؟ فإن ثبتت ردته فقد ذهب الشافعية والحنابلة في رواية لهم إلى عدم وجوب تجديد العقد على الزوجة المدخول بها إذا رجع إلى الإسلام وهي لا تزال في عدتها ، وذهب الحنفية والمالكية والحنابلة في المشهور عندهم إلى وجوب تجديد العقد . ففي الموسوعة الفقهية :
وردة أحد الزوجين موجبة لانفساخ عقد النكاح عند عامة الفقهاء بدليل قوله تعالى : لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ { الممتحنة :10 } وقوله سبحانه : وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ { الممتحنة : 10 } فإذا ارتد أحدهما وكان ذلك قبل الدخول انفسخ العقد في الحال ولم يرث أحدهما الآخر, وإن كان بعد الدخول قال الشافعية وهو رواية عند الحنابلة: حيل بينهما إلى انقضاء العدة ، فإن رجع إلى الإسلام قبل أن تنقضي العدة فالعصمة باقية ، وإن لم يرجع إلى الإسلام انفسخ النكاح بلا طلاق . وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وهو رواية عند الحنابلة : إن ارتداد أحد الزوجين فسخ عاجل بلا قضاء فلا ينقص عدد الطلاق سواء أكان ذلك قبل الدخول أم بعده, وقال المالكية وهوقول محمد من الحنفية: إذا ارتد أحد الزوجين انفسخ النكاح بطلاق بائن. اهـ
وإذا أراد تجديد العقد فيمكن أن يتلطف في إخبار الزوجة ووليها بالموضوع فيخبرهم أنه حصل منه ما يوجب تجديد العقد ويوهمهم أنه تعليق للطلاق أو حلف بطلقة بائنة, ولا ينبغي لك أن تكذب ولكن بإمكانك استعمال المعاريض " التورية " فإن فيها مندوحة عن الكذب . فروي عن عمر بن الخطاب أنه قال : أما في المعاريض ما يكفي المسلم الكذب . وقال عمران بن حصين : إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب . رواهما البخاري في الأدب المفرد.
والله أعلم .