عنوان الفتوى : وصية في صورة هبة
جدتي لها أربع بنات أمي وثلاث خالات، ولها ابن توفي منذ سنين وتمتلك أرضا زراعية ولها أبناء إخوة ذكور, وتريد كتابة الأرض لأمي وخالاتي حتى لا يشاركهن في الإرث أبناء إخوتها بعد مماتها، على أن تظل تستفيد من ريع الأرض لحين انتهاء أجلها، فما رأي الدين في هذا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه لا تجوز الهبة أو الوصية بقصد الإضرار بالورثة وحرمان بعضهم من الحق الذي شرعه الله سبحانه وتعالى له في التركة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. أخرجه ابن ماجه والبيهقي وابن حبان ومالك، وصححه الألباني.
وما ذكرته في السؤال صيغته صيغة هبة وحقيقتة حقيقة وصية، وبيان ذلك أن الهبة هي تمليك ذي منفعة لوجه المعطي بغير عوض، ومحل صحتها ولزومها إن وقعت في حال الصحة وعدم إحاطة الدين بالمال وحازها الموهوب له.
والوصية كما قال ابن عرفة هي: هبة الإنسان غيره عيناً أو ديناً أو منفعة على أن يملك الموصى له الهبة بعد موت الموصي، أو هي تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع.
وهذا ينطبق تماما على ما ذكر في السؤال من كون الواهب يستغل غلة الموهوب وريعه إلى أن يموت، ولا ينتنفع به الموهوب له إلا بعد موت الواهب، فهي وصية لا عطية، والعبرة بالمعاني لا بالألفاظ والمباني، والوصية للوارث لا تصح ولا تنفذ إلا إذا أجازها الورثة، فتكون عطية منهم؛ كما قال الشيخ أحمد الشنقيطي:
وإن يك استثناؤه له على * بقائه بملكه لن يدخلا
إلا بعيد موته في هبته * فذاك قد يجعل في وصيته
إن كان غير وارث وحمله * ثلث ماله قد يصح له
وإن يكن يرث وقف على * إجازة الباقين ما قد فعلا
إذاً فحال المسؤول عنها لا يخلو إما أن تكون وهبت لبناتها هبة صحيحة بشرطها المعتبر من تخليتها للموهوب وحوزهن له، ووقع ذلك منها في كمال صحتها ورشدها وعدم إحاطةالدين بمالها فهبتها صحيحة نافذة؛ لأن الأصل في تصرف البالغ الرشيد اللزوم والنفوذ، والله حسيبها على نيتها إن كانت حسنة فلها الأجر، وإن كانت سيئة فعليها الوزر، وإن كانت هبتها لهن لا تنفذ إلا بعد موتها ولا يستغلها الموهوب له إلا حينئذ فهي وصية كما ذكرنا (ولا وصية لوارث) كما في الحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي، وتتوقف على إجازة الورثة لها. وقد فصلنا القول في شأن الهبة والوصية في الفتوى رقم: 12579، والفتوى رقم: 28292.
وننصح الجدة أن تتقي الله سبحانه وتعالى وتحذر ذلك اليوم العظيم: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا {آل عمران:30}، والإضرار بالورثة من محرمات الشرع؛ لما أخرجه الأربعة إلا النسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليعمل والمرأة بطاعة الله تعالى ستين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فتجب لهما النار. وعند عبد الرزاق وأحمد بلفظ: فإذا أوصى حاف في وصيته فيختم له بشر عمله.
والله أعلم.