عنوان الفتوى : المؤمنون نصحة والمنافقون غششة
بعد التحية: لا يخفى على أحد ما أحدثه الداعية المصري عمرو خالد من صحوة بمصر فى أوساط الشباب المرفهين الذين كان الدين لا يشغل حياتهم على الإطلاق, ثم امتد أثره إلى خارج مصر بعد خروجه منها وذلك لأسلوبه الجميل فى مخاطبة الناس، ولا يوجد أحد معصوم من الخطأ سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأعتقد أنه قد أخطأ فى بعض الأمور ولا يوجد من لا يخطئ من العلماء والدعاة، ولكن تهجم عليه دكتور أزهرى مصري شهرته محدودة نسبيا بمصر اسمه عبد الله بدر ونعته بالصفات التالية ( الكلب الأجرب – الفاسق – الفاجر –الجاهل - خطره على الإسلام أشد من خطر عمرو دياب- والأخير مطرب ومغني مصري مشهور بمصر والمنطقة العربية)، وكان هذا الكلام فى خطبة الجمعة, ثم انتشر سريعا، فهل يجوز ذلك, لأنه حينما عاتبه الناس قال إنه يحترم العلماء ولكن عمرو خالد ليس بعالم ولكنه جاهل فاسق يضر المجتمع بجهله وأنه لا بد أن يوضح خطره على الأمة حتى لا يحاسبه الله (هذا كلامه)، وما أعرفه أن الرسول نهى السيدة عائشة أن تسب اليهود فى الحديث الشريف, فكيف الحال بالمسلم، وقد أصدر سلسلة من الكتب والأشرطة خصصها للهجوم على عمرو خالد, وفى كتبه يأتى بمقالات لكتاب يهاجمون عمرو خالد هؤلاء الكتاب معلوم عنهم العلمانية والشيوعية وكره الدين أصلا، وقد تسبب كل ذلك فى فتنة بين من اهتدوا للدين عن طريق الداعية عمرو خالد وحدوث بلبلة كبيرة لهم, وكثير منهم لم يعد يعرف أين الحق، وكان مما هاجمه به1- دعوة عمرو خالد للفنانين المعتزلين لعدم ترك الفن نهائيا ولكن أن يقوموا بأعمال تخدم الدين وتتفق مع الشرع وتحبب الناس فيه, بدلا من ترك المجال لكل ما هو هابط.2- والدعوة لإيجاد أغاني إسلامية تقبل عليها الناس ليس فيها محاذير شرعية وذلك باستخدام الدفوف فقط وتم ذلك عن طريق شخص اسمه سامي يوسف ينشد أشعاراً عربية وأجنبيه فى حب النبي ونصرة الإسلام، وهكذا وقد أصبح مشهوراً الآن.3- أن محاضراته يجتمع فيها النساء والرجال معا.4- ثم كانت محاضرة له عن القدس هاجمه فيها أنه قال إن بيت المقدس بناه سيدنا داود على أرض بيت رجل يهودى بعدما اشتراه منه بملأ الارض خيلا بعد مساومة طويلة, وإن هذه الرواية مؤلفة من عنده, وإنها ليست صحيحة ولكنها تدليس من عمرو خالد. ثم قام هذا الشيخ أخيراً بمهاجمة الداعية صفوت حجازي بنفس الأسلوب أيضا, وتحدث عنه بنفس الطريقة تقريبا، فما الحكم فيما سبق، وما الحكم فيما يأخذونه عليه من مآخذ، وما الحكم فيما فعله هذا الشيخ, حتى أن كثيرا ممن كانوا يحبون عمرو خالد أصبحوا يكرهونه ويفسقونه؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن ذلك الرجل الذي يستخدم السب لمن يخالف -قد جانب منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع المخالف- وقد بينا منهج أهل السنة في ذلك في الفتوى رقم: 56337.
وأما ادعاء هذا الشيخ أنه يجب عليه بيان أخطاء عمرو خالد، فنقول: نعم لكن يجب أن لا يكون ذلك بالسب والشتم وإطالة اللسان على المنابر، فمازال العلماء المخلصون من لدن سلف الأمة والقرون المفضلة يختلفون إلى عصرنا، لكن دون أن يؤثر عنهم أنهم لوثوا ألسنتهم بسب أو لعن أو تجريح للمخالف أو تنفير للناس عنه، فإن من خصال المؤمن وخاصة أهل العلم عفة اللسان وحسن العبارة، قال الله تعالى: وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا {الإسراء:53}، وقال صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق. وقال أيضاً: ليس المسلم بلعان ولا طعان ولا فاحش ولا بذيء. وقال: لعن المسلم كقتله. وانظر الفتوى رقم: 4402، والفتوى رقم: 11967.
ثم إن العامة من الناس عندما يجدون أهل الدين يسب بعضهم بعضاً وينبذ بعضهم بعضاً سينفرون من طريق الاستقامة وسيسيئون الظن بالدعاة، وسيقولون: لو كان في هؤلاء الدعاة خير لما وقع بعضهم في بعض، ولهذا قال ابن مسعود: ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة.
هذا، وإن في أشرطة عمرو خالد عاطفة صادقة، وعناية بالنصوص، وله تأثير كبير على عامة الناس، وهذا مما يفرح به، وليس المقصود تطلب الكمال، فكل يؤخذ منه ويترك، ووجود النقص في مظهر الرجل وبعض المؤاخذات عليه لا يمنع من الانتفاع به والثناء عليه بما يظهر من حاله، مع تجنب ما لا يوافق السنة من قوله أو فعله.
وأما الفتاوى والأحكام الفقهية فلا تؤخذ عن عمرو خالد، فهذا العلم دين، وإنما يؤخذ على أعلامه، ولا يوافق عمرو خالد على خلطه الرجال بالنساء في محاضراته، ففي ذلك مخالفة لهدي محمد صلى الله عليه وسلم الذي شرع من التدابير ما يمنع من اختلاط الجنسين، فجعل خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها الذي يلي صفوف الرجال، وجعل خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها الذي يليه صفوف النساء، وذلك كله إمعاناً في قطع الاختلاط والنظر بين الرجال والنساء، وكذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء أن يمشين مختلطات مع الرجال في الطرقات، بل أمرهن أن يمشين على جانبي الطريق ويتركن نهر الطريق للرجال، قال صلى الله عليه وسلم: استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق. وانظر الفتوى رقم: 55877.
وكذلك لا يوافق عمرو خالد على إقراره لأهل الفن على عدم تركه واعتزاله على ما فيه من الخطايا والبلايا، وهي سقطة كبيرة ليته ما وقع فيها، وانظر الفتوى رقم: 55432.
والدين النصيحة، والمؤمنون نصحة والمنافقون غششة، ولو نصح عمرو خالد من قبل العلماء والدعاة وكُتب إليه، فقد يرجع عن المآخذ التي أخذت عليه، وفق الله الجميع للعمل في خدمة هذا الدين العظيم.
والله أعلم.