عنوان الفتوى : نساء المؤمنين جمعن بين الجهاد والتمسك بالشرع
عندما كان النساء يسألن النبي ويشاركن بالجهاد وعندما كانت أمهات المؤمنين يعلمن الصحابة ويروين لهم الأحاديث فهل كان يتحقق غض البصر وعدم الاختلاط؟ ممكن أن توضحوا لي هذه النقطة وتشرحوا لي كيف كان ذلك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد كان النساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يشاركن الصحابة في الغزوات، يداوين الجرحى ويسقينهم الماء ونحو ذلك مما يلائمهن من الإعانة والمشاركة في الجهاد في سبيل الله، بل كانت منهن من تحمل على المشركين كنسيبة بنت كعب المازنية رضي الله عنها، وكان النساء يشهدن الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، وكانت أمهات المؤمنين يروين الحديث.
ولقد كن -مع مشاركتهن تلك- أول من يتمسك بشرع الله من غض البصر والامتناع عن الاختلاط المذموم، فقد كن يلتزمن الحجاب الشرعي ولا يبدين شيئاً من عورتهن، وكن يصلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف صفوف الرجال، وكن لا يرفعن رؤوسهن حتى يرفع الرجال رؤوسهم، ففي صحيح الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر النساء لا ترفعن رؤوسكن حتى يرفع الرجال.
وكن أول من يخرج من المسجد قبل خروج الرجال، وكن لا يحققن الطريق بل يلتزمن حوافه، فعن أبي أسيد الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للنساء: استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق. فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى أن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به. رواه أبو داود وحسنه الألباني.
وكانت أمهات المؤمنين يرويِن الحديث ويعلمن العلم امتثالاً لقوله تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ {الأحزاب: 34}. ولكنهن كن محتشمات محتجبات عن الرجال، متحفظات من الخضوع في الكلام معهم، لقوله تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ {الأحزاب: 53}.
وامتثالاً لقوله: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا {الأحزاب: 32}.
هذا، وإن الظن بأمهات المؤمنين ونساء الصحابة أنهن كن أول من يعتصم بالكتاب والسنة ويعمل بهما، فإنهن من خير القرون، ولقد زكى الله عز وجل هذا الجيل الفريد من رجال الصحابة ونسائهم في غير ما موضع من القرآن، فقال سبحانه: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {التوبة: 100}.
وقال أيضاً: لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {الحديد: 10}.
وقال عبد الله بن مسعود: إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون عن دينه... رواه الإمام أحمد وغيره.
وللفائدة، انظري الفتويين : 52323، 45641.
والله أعلم.