عنوان الفتوى : هل تقبل توبة من تكررت منه الردة
أود أن أسأل كم مرة للفرد يمكن أن يقع في الشرك الأكبر ويتوب فيها، وأدعو الله أن يختم لنا بالإيمان جميعاً؟ ولكم جزيل الشكر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن التوبة الصادقة يمحو الله بها جميع الخطايا حتى الشرك بالله، أما من تكررت ردته فاختلف العلماء في قبول توبته في الظاهر، فذهب الشافعية وهو المشهور في مذهب الحنفية والمالكية إلى أنه تقبل توبة المرتد ولو تكررت ردته لإطلاق قوله تعالى: قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ {الأنفال:38}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله. متفق عليه.
لكنهم صرحوا بأن المرتد الذي تكررت منه الردة إذا تاب ثانيا عزر بالضرب وبالحبس ولا يقتل، قال ابن عابدين: إذا ارتد ثانياً ثم تاب، ضربه الإمام وخلى سبيله، وإن ارتد ثالثا ثم تاب ضربه ضربا وجيعا ثم حبسه حتى تظهر عليه آثار التوبة ويرى أنه مخلص ثم خلى سبيله، فإن عاد فعل به هكذا أبدا حتى يرجع إلى الإسلام، وقد جاء مثل هذا عن المالكية والشافعية.
وصرح الحنابلة وهو رواية عند الحنفية ونسب إلى مالك بأنه لا تقبل توبة من تكررت ردته يعني في الظاهر، أما بينه وبين الله فأمره إليه سبحانه، لقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً {النساء:137}، والازدياد يقتضي كفرا جديداً، ولأن تكرار الردة منه يدل على فساد عقيدته وقلة مبالاته بالدين فيقتل. اهـ من الموسوعة الفقهية، ولم يذكر العلماء عدداً محدداً للردة التي تقبل التوبة منها، ولكن ذكروا أنه إن عاد تاب ويعزره الإمام أبداً كما سبق في كلام ابن عابدين.
والله أعلم.