أرشيف المقالات

قليل من الحقائق عن تركيا

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
في عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني (تابع الجيش العثماني) قد اشتهرت عساكر المشاة العثمانية في كل زمان بقوة مقاومتها، وبشدة بأسها في الهجوم على عدوها، فإذا هجمت عليه بأطراف الحراب كانت كصواعق آدمية لا يتأتى دفع انصبابها إلا بقوةٍ تفوقها بكثير، وإذا دافعت عن حصن ترى العسكري منها ملازمًا على الدوام لموقفه، كالصخرة ثباتًا ورسوخًا. عدة العساكر المشاة العثمانية هي أبسط أنواع العدد وأكثرها نفعًا، فملابسها هي مؤلفة من سترة وسراويل (بنطلون) ورباط الساق، وكلها باللون الأزرق القاتم وطربوش، ويُستثنى منهم أورط الحرس الشاهاني؛ فإن لباسهم السترة الزواوية (زواوة: قبيلة إفريقية تزيَّت بزيها الجنود الفرنساوية) والسراويل، ولا يمضي زمن كبير حتى تتسلح المشاة ببنادق (موزر) ذات الطلقات السريعة التي قطر الواحدة منها تسعة ملليمتر ونصف، والتي قررت الحكومة العثمانية في سنة 1887م استعمالها بدلاً من بنادق (مرتيني هنري) وبنادق (رومنتون) التي كانت مستعملة إلى ذلك الحين، وقد أبرمت الحكومة العثمانية مع شركة (موزر) اتفاقًا مُؤَدّاه تعهد هذه الشركة بأن تورد لهذه الحكومة خمسمائة ألف بندقية من ذات الطلقات العديدة للمشاة، واثنين وخمسين ألف منها للفرسان، وبدئ بتنفيذ هذا الاتفاق في سنة 1881م، وقد قاربت أقساط التسليم أن تتم. إن الفرسان العثمانية تفوق كثيرًا الفرسان الأوروبية؛ بسبب أنها يمكن أخذها من أمة معتادة من مهدها على ركوب الخيل، على حين أن هؤلاء العساكر في أوروبا حيث يؤخذون من كل طبقة يكثر أخذهم من طبقات العمال والزراع كما يؤخذون من الطبقات المعتادة على الركوب، ولما كانت الخدمة العسكرية للفرسان أربع سنين لا ثلاثًا كما في فرنسا وألمانيا، كان في العساكر الفرسان العثمانية بسبب طول مدة الخدمة مزايا لا ضرورة لإيضاحها؛ لأنها غنية عن ذلك، وقانون التعليم العسكري وإن غير تغييرًا تامًا، الأحوال التي يجب أن تكون عليها تمرينات الفرسان إلا أنه لم يقلل أهمية هذا القسم من الجيش بطريقة ما. لم يبق موجب لاستعمال حشد الجيوش في ساحة القتال وللجهات الكبرى للجيش برمته مع وجود البنادق ذات الطلقات السريعة والمدافع البعيدة المرمى، أما الفرسان فهم عيون الجيش، وستاره الذي يختفي وراءه أثناء إجراء حركاته، وحينئذ فاللازم في تشكيل الجيش تشكيلاً صحيحًا أن يكون فيه عدد عظيم من الفرسان، وعدد الفرسان العثمانية خمسة وثلاثون آلايًا، كل منها مؤلف من خمس أورط، وهذا العدد ربما ظهر للقارئ قليلاً بالنسبة لحالة تركيا الحربية، ولكن جلالة السلطان قد وجد في حب رعاياه المخلصين لأوطانهم طريقة في مضاعفة هذا العدد، بل في جعله ثلاثة أمثاله في زمن الحرب، وسلاح عساكر الفرسان العثمانية يتركب من سيوف منحنية قليلاً، وبنادق صغيرة القطر، وبعض الآلايات لها رماح، والمظنون أنها ستوزع على جميع العساكر الفرسان، وكسوة هؤلاء العساكر تتألف من سترة بسيطة بصف واحد من الأزرار، وسراويل سنجابي اللون، ونعال بروسيه، أما خيلهم فهي في الغالب من الجنس التركي الفارسي، أو العربي الهجين (المختلط النسب) وهذه هي الخيل التي يغلب فيها القصر والضمور، والمزاج العصبي، ومرونة السوق، والصبر على المشاق، وهي عظيمة الإدراك والانقياد. (لها بقية) ((يتبع بمقال تالٍ)) 17 جمادى الأولى - 1317هـ 23 سبتمبر - 1899م

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير