عنوان الفتوى : جمع الصلوات من غير عذر يعد من الكبائر
إلى إخواني في مركز الإفتاء: بعد محاولتي بالاتصال على بعض المشايخ حفظهم الله، التي تكللت بعدم الرد منهم بحثت عن طريق الإنترنت عن طريقة لكي أتصل بهم ووجدت هذا الموقع، نسأل الله أن يجزي من قام عليه بالخير. ليس لدي سؤال بل لدي موضوع للنقاش وإليكم قصة هذا النقاش مع العلم أنني لست ملماً في أمور الدين والآيات القرآنية والأحاديث، أنا أعمل في إحدى شركات النفط وبها موظفون سنة وموظفون ليسوا سنة، ذات يوم ونحن قائمون لصلاة العصر وكان معنا أحد الذين لا ينتمون إلى السنة جالساً إذ قال (الحمد لله أنا صليت العصر مع الظهر)، فقلت له ولماذا جمعت الظهر مع العصر، أليس العصر له وقت والظهر له وقت، فقال لي: نحن نصلي العصر مع الظهر والعشاء مع المغرب والفجر لوحده، وقال أيضاً: أنا تناقشت مع الأسياد في ذلك وأقنعوني وذكروا لي آية (أقم الصلاة لدولوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) سورة الإسراء 78، وبنص الآية يكون لدينا ثلاث أوقات تصلي فيها جميع الصلوات وتجمع فيها الصلوات المذكورة سابقاً، وقال لي أيضاً أنه لا توجد آية من القرآن تفصل الأوقات كل صلاة في وقتها، فقلت له نحن لدينا القرآن والسنة ما لم يبينه القرآن بينته السنة، وهناك أحاديث تبين ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم وما قاله بشأن الصلاة وأوقاتها، فقال لي: إن بعض الأحاديث نقلت وحصل بها تحريف أو إضافة، عند ذلك توقفت عن المناقشة وقلت له انتظر حتى آتيك بما يزيل الشبهة التي تقول، وأنا كتبت إليكم هذه الرسالة حتى تفيدوني في هذا الموضوع وأملي أن يكون الرد سريعاً؟ وجزا الله كل من قام على هذا الموقع خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أولاً أن أي نقاش لا يكون مثمراً إلا إذا كان للمتناقشين أصل متفق عليه يتحاكمون إليه ومرجعية يرتضونها جميعاً، وعلى ذلك فلا نرى فائدة في مناقشتك لهذا الشخص وأمثاله في هذه الجزئية ما لم يقر لك بحجية السنة النبوية، وبأنها هي المصدر الثاني للتشريع عند المسلمين وأنها وحي من الله تعالى ومبينة لما جاء في القرآن الكريم مجمل.
كما ننبهك إلى الحذر من المناقشة في مجال لا تحسنه لئلا تسيء إلى شرع الله تعالى وتعرض نفسك للفتنة والزيغ، نسأل الله السلامة والعافية، وأما بخصوص هذه الجزئية بالنسبة لك فنقول لك إن الله تعالى يقول في محكم كتابه العزيز: إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا {النساء:103}، أي محددا، وقد اتفق العلماء على أن للصلوات الخمس خمسة أوقات وليس ثلاثة وذلك لأن جبريل عليه الصلاة والسلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعلمه أوقات الصلوات ابتداء وانتهاء، وقد خرج تلك الأحاديث الأئمة الأعلام المتفق على جلالتهم وعلو شأنهم في العلم ومنهم البخاري ومسلم في صحيحيهما اللذين تلقتهما الأمة بالقبول والإذعان، ومن تلك الأحاديث ما رواه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتون الصلاة عن وقتها، قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل، فإنها لك نافلة. فهذا يدل على أن لكل صلاة وقتاً محدداً لا يجوز تأخيرها عنه.
ومنها ما رواه مسلم عن أبي قتادة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أما إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى. وقد فصل رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقات الصلوات التي أجملت في القرآن فصلها قولا وعملا ونقل ذلك عنه بالتواتر الذي لا يبقى بعده شك، ففي صحيح مسلم عن سليمان بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلا سأله عن وقت الصلاة فقال له: صل معنا هذين يعني اليومين فلما زالت الشمس أمر بلالا فأذن ثم أمره فأقام الظهر ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر فلما أن كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر فأبرد بها فأنعم أن يبرد بها وصلى العصر والشمس مرتفعة أخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق وصلى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل وصلى الفجر فأسفر بها، ثم قال أين السائل عن وقت الصلاة فقال الرجل أنا يا رسول الله قال: وقت صلاتكم بين ما رأيتم. وفي سنن أبي داود بسياق أطول عن أبي موسى: أن سائلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه شيئاً حتى أمر بلالا فأقام للفجر حين انشق الفجر فصلى حين كان الرجل لا يعرف وجه صاحبه أو أن الرجل لا يعرف من إلى جنبه ثم أمر بلالا فأقام الظهر حين زالت الشمس حتى قال القائل انتصف النهار وهو أعلم ثم أمر بلالا فأقام العصر والشمس بيضاء مرتفعة وأمر بلالا فأقام المغرب حين غابت الشمس وأمر بلالا فأقام العشاء حين غاب الشفق فلما كان من الغد صلى الفجر وانصرف فقلنا أطلعت الشمس فأقام الظهر في وقت العصر الذي كان قبله وصلى العصر وقد اصفرت الشمس أو قال أمسى وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق وصلى العشاء إلى ثلث الليل ثم قال أين السائل عن وقت الصلاة، الوقت فيما بين هذين. قال أبو داود رواه سليمان بن موسى عن عطاء بن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في المغرب بنحو هذا، قال: ثم صلى العشاء قال بعضهم إلى ثلث الليل وقال بعضهم إلى شطره وكذلك رواه ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي سنن الترمذي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين فصلى الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشراك ثم صلى العصر حين كان كل شيء مثله ظله ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم ثم صلى العشاء حين غاب الشفق ثم صلى الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه ثم صلى المغرب لوقته الأول ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض ثم التفت إلى جبريل فقال يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت فيما بين هذين الوقتين. قال أبو عيسى وفي الباب عن أبي هريرة وبريدة وأبي موسى وأبي مسعود الأنصاري وأبي سعيد وجابر وعمرو بن حزم والبراء وأنس والأدلة على هذا كثيرة ولم يبح الشرع الجمع بين الصلاتين إلا لعذر وعلى ذلك اتفاق العلماء وإن حصل بينهم خلاف فإنما هو في بعض الأمور كالمرض أو الحاجة الشديدة ونحو ذلك هل هو عذر يبيح الجمع أم لا ولم يقل أحد منهم بجواز الجمع المؤدي إلى تقديم الصلاة عن وقتها أو تأخيرها عنه لغير عذر بل عدوا ذلك من كبائر الذنوب، ففي المصنف لابن أبي شيبة رحمه الله قال: 1- حدثنا حفص بن غياث عن أبي بن عبد الله قال: جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز (لا تجمعوا بين الصلاتين إلا من عذر).
2- حدثنا وكيع قال: ثنا أبو هلال عن حنظلة السدوسي عن أبي موسى قال: (الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر).
3- وقال الترمذي حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف البصري حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر، قال أبو عيسى وحنش هذا هو أبو علي الرحبي وهو حسين بن قيس وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه أحمد وغيره.
والعمل على هذا عند أهل العلم أن لا يجمع بين الصلاتين إلا في السفر أو بعرفة ورخص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض وبه يقول أحمد وإسحاق وقال بعض أهل العلم يجمع بين الصلاتين في المطر وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق ولم ير الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين.
وأما ما رواه مسلم عن ابن عباس قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر في حديث وكيع قال: قلت لابن عباس لم فعل ذلك قال: كي لا يحرج أمته، وفي حديث أبي معاوية قيل لابن عباس ما أراد إلى ذلك قال أراد أن لا يحرج أمته. فقد ذكر العلماء له عدة توجيهات لعل أولاها ما رجحه الشوكاني وغيره.
قال الشوكاني في النيل: ومما يدل على تعين حمل حديث الباب على الجمع الصوري ما أخرجه النسائي عن ابن عباس بلفظ: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء، فهذا ابن عباس راوي حديث الباب قد صرح بأن ما رواه من الجمع المذكور هو الجمع الصوري. ثم ذكر الشوكاني مؤيدات أخرى للجمع الصوري ودفع إيرادات ترد عليه من شاء الاطلاع عليها فليرجع إلى النيل. قال المباكفوري في تحفة الأحوذي وهذا الجواب هو أولى الأجوبة عندي وأقواها وأحسنها فإنه يحصل به التوفيق والجمع بين مفترق الأحاديث والله تعالى أعلم، وبهذا يتبين الحق في هذه المسألة لمن يريده، وأما من يتبع هواه ويسعى للراحة والدعة فإنه سيتعامى عن ذلك والله حسيب رقيب على كل نفس.
والله أعلم.