عنوان الفتوى : هل يأثم من يطلق امرأته لمطالبتها ببعض حقوقها؟
هل يجوز للزوج تطليق زوجته؛ لأنها لم تتفق مع أمه وأخيه، وزوجة أخيه، وتطالب بسكن خاص، وذلك لكثرة المشاكل والضغوط.
علما أن الزوج لا يبالي إن ظُلِمَت الزوجة من طرف أهله، ولا يقول كلمة الحق، وإنما ينهر الزوجة، ويعاقبها بالصمت العقابي. وفي الأخير قام بتطليقها.
فهل يأثم، علما أنها كانت مطيعة له في جُل أموره، ولا تحدث مشاكل بينهما إلا بسبب الأهل؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن حق الزوجة على زوجها أن يسكنها في مسكن مستقل مناسب، كما بيناه في الفتوى: 80603.
والطلاق تعتريه الأحكام الفقهية الخمسة، كما قدمناه في الفتوى: 12963.
وأما هل يأثم الزوج بتطليق زوجته؟ فهاهنا أمران:
أولهما: الوقوف على سبب الطلاق، وهذا لا يُكتفى فيه بمجرد سماع رأي الزوجة، بل لا بد من سماع رأي الزوج أيضا، إذ لا يمكننا أن نحكم بتأثيمه من غير أن نعلم هل طلق لسبب مشروع بحسب رأيه أم طلق لغير حاجة.
ثانيهما: على فرض أنه طلق لغير حاجة معتبرة شرعا، فهذا النوع من الطلاق لا يُجزم فيه بتأثيم فاعله، وإنما ينصح ويرشد، لأنه طلاق دائر بين التحريم والكراهة، فمن أهل العلم من يرى تحريمه، وهذا إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، ومنهم من يرى كراهته، وقيل إباحته.
قال المرداوي -الحنبلي- في الإنصاف: وَالْمَكْرُوهُ: إذَا كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.... وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَحْرُمُ. ... وَعَنْهُ: يُبَاحُ. فَلَا يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ. اهــ.
وقال ابن قدامة في المغني: وَقَالَ الْقَاضِي: فِيهِ رِوَايَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ مُحَرَّمٌ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ بِنَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ، وَإِعْدَامٌ لِلْمَصْلَحَةِ الْحَاصِلَةِ لَهُمَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ، فَكَانَ حَرَامًا، كَإِتْلَافِ الْمَالِ، وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ».
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ مُبَاحٌ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ.» وَفِي لَفْظٍ: «مَا أَحَلَّ اللَّهُ شَيْئًا أَبْغَضَ إلَيْهِ مِنْ الطَّلَاقِ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَإِنَّمَا يَكُونُ مُبْغَضًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ، وَقَدْ سَمَّاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَلَالًا، وَلِأَنَّهُ مُزِيلٌ لِلنِّكَاحِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْمَصَالِحِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهَا، فَيَكُونُ مَكْرُوهًا. اهــ.
والله أعلم.