عنوان الفتوى : أحكام الصلاة خلف المخالف في الفروع، والاقتداء بمن لم ينو الإمامة
أعلم أنه يجوز أن يأتم الإنسان بإمام يختلف معه في المذهب الفقهي، فهل تصح صلاة المأموم لو فعل الإمام في الصلاة عمدا ما يراه الإمام مكروها، ويراه المأموم مبطلا؟ وهل يجب على الإمام أن يخبر المأموم أنه لم ينو الإمامة لسبب ما، إذا كان الإمام لا يرى اشتراط نية الإمامة لصحة الصلاة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه تصح الصلاة خلف المخالف في الفروع، ولو فعل ما يراه المأموم مبطلا، قال ابن قدامة في المغني: فأما المخالفون في الفروع كأصحاب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، فالصلاة خلفهم صحيحة غير مكروهة، نص عليه أحمد؛ لأن الصحابة والتابعين، ومن بعدهم لم يزل بعضهم يأتم ببعض، مع اختلافهم في الفروع، فكان ذلك إجماعا، ولأن المخالف إما أن يكون مصيبا في اجتهاده، فله أجران: أجر لاجتهاده، وأجر لإصابته، أو مخطئا فله أجر على اجتهاده، ولا إثم عليه في الخطأ، لأنه محطوط عنه. انتهى.
وقال الخرشي المالكي في شرحه لمختصر خليل: وكذا يجوز الاقتداء بالمخالف في الفروع كصلاة المالكي خلف الشافعي، أو غيره من المذاهب، ولو رآه يفعل خلاف مذهب المقتدي، على ما قاله ابن ناجي، ومثله للقرافي في الفروق. انتهى.
وقال الشيخ الدردير في الشرح الكبير: واقتداء بإمام مخالف في الفروع الظنية كشافعي، وحنفي، ولو أتى بمناف لصحة الصلاة: كمسح بعض الرأس، أو مس ذكره، لأن ما كان شرطا في صحة الصلاة، فالتعويل فيه على مذهب الإمام، وما كان شرطا في صحة الاقتداء، فالعبرة بمذهب المأموم..
ولا يجب على الإمام أن يخبر المأموم أنه لم ينو الإمامة، ولا يشترط لصحة الاقتداء نية الإمام الإمامة في المفتى به عندنا، وهو قول المالكية، والشافعية، والحنفية، وإحدى الروايتين عن أحمد، خلافا للمشهور عند الحنابلة.
جاء في الموسوعة الفقهية: يُشْتَرَطُ فِي الإْمَامِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ نِيَّةُ الإْمَامَةِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْجَمَاعَةِ أَنْ يَنْوِيَ الإْمَامُ أَنَّهُ إِمَامٌ، وَيَنْوِيَ الْمَأْمُومُ أَنَّهُ مَأْمُومٌ.... وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: نِيَّةُ الرَّجُل الإْمَامَةَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ اقْتِدَاءِ النِّسَاءِ إِنْ كُنَّ وَحْدَهُنَّ.... وَلاَ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الإْمَامِ الإْمَامَةَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، إِلاَّ فِي الْجُمُعَةِ، وَالصَّلاَةِ الْمُعَادَةِ، وَالْمَنْذُورَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، لَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ عِنْدَهُمْ لِلإْمَامِ أَنْ يَنْوِيَ الإْمَامَةَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلاَفِ الْمُوجِبِ لَهَا، وَلِيَحُوزَ فَضِيلَةَ الإْمَامَةِ وَصَلاَةِ الْجَمَاعَةِ. اهـــ.
وقال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ فِي الْإِمَامِ فِي سِوَى الْجُمُعَةِ.... وَعَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْإِمَامَةِ: لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا، وَصَلَّى خَلْفَهُ، وَنَوَى مِنْ صَلَّى خَلْفَهُ الِائْتِمَامَ صَحَّ، وَحَصَلَتْ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ. اهـــ.
وهذا القول هو اختيار الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ فقد قال في شرح الزاد: والقول الثاني في المسألة: أنَّه يصحُّ أن يأتمَّ الإنسان بشخص لم ينوِ الإمامة، واستدلَّ أصحاب هذا القول: بأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قام يُصلِّي في رمضان ذات ليلة، فاجتمع إليه ناس فصلوا معه، ولم يكن قد عَلِمَ بهم، ثم صَلَّى في الثَّانية والثَّالثة، وعَلِمَ بهم، ولكنه تأخَّر في الرَّابعة، خوفاً من أن تُفرض عليهم، وهذا قول الإمام مالك، وهو أصحُّ، ولأن المقصود هو المتابعة، وقد حصلت. اهــ.
والله أعلم.