عنوان الفتوى : استعمال الحكمة في حل المشاكل الزوجية يطفئ كثيرا من الشرور
أنا وزوجي متزوجان منذ 6 أعوام، ولدينا 3 أطفال.
عندما أكملنا عامين من الزواج، تأخرت خارج المنزل مع أخته في زيارة لصديقة، وأخته كانت عندنا زيارة لمدة شهر في البلد الذي نقيم فيه. تأخرنا؛ لأن صديقتي قالت إن زوجها سيأتي ويوصلنا، ولم يأت، ثم بعد ذلك اتصلت به ولم يرد، ووصلنا البيت الساعة الواحدة صباحا.
ما أغضبني أنه لم يسأل عنا، وكنت أتصل به ليأتي ويوصلنا. دخلت الغرفة ولم أتكلم، لكن بنتي الصغيرة كانت تبكي، فقال لي: أخرجيها أو أسكتيها أنا نائم، ومن غضبي قلت له: تنام ولا تعرف عن حالنا، ولا تسأل عنا؟ قال: اوووووف أنت مزعجة، وأخذ غطاءه لينام بجانب أخته في الغرفة المجاورة، قلت له: لا تفضحنا مع أختك وتعال إلى غرفتك، فلم يرد علي وذهب هناك، لحقت به، وأخته كانت في الحمام في هذه الأثناء قلت له: ارجع، قال ابعدي عن وجهي، فلن أرجع، أخذت الغطاء عنه لينهض، فأصبح يشده وأنا أشده، وقال: لا تمزحي باليد، قلت له هيا لغرفتنا قبل أن تخرج أختك، وبعدها قال لن أذهب، ولوى يدي حتى صرخت من الألم. غضبت وأدخلت أهلي في الموضوع، وكنت سأذهب إلى بيت أهلي، لكن تنازلت….
مرت السنين، وفي رمضان السابق وقع بيننا نقاش حاد، وقال لي إن لم تسكتي سأضربك، وأصبح يقرب جسده مني بغرض التخويف؛ كي أسكت، حتى اصطدمت بالباب خوفا منه.
بالأمس وقع بيننا نقاش، ولأنه استفزني ارتفع صوتي بالبكاء والكلام، فقال لي: اسكتي، وأصبح يمسك يدي ويشدها ويضغط عليها بقوة، وبيده الثانية يضع يده في فمي وأنفي؛ لكي أسكت، أبعدت يده عن فمي وقلت له: اترك يدي إنها تؤلمني، وهو يقول لن أفعل، كررتها أكثر من مرة، قلت له: والله سأعضك، وفتحت أسناني على يدي بالخفيف حتى يبعد يده؛ لأنها تؤلمني.
أنا الآن أفكر في الذهاب إلى بيت أهلي، أو أطلب منه أن يذهب هو لأي مكان حتى أقرر قراري؛ لأني كرهته جدا وقلبي قد عافه، ولا أستطيع أن أنظر في وجهه. أخاف أن أسامحه المرة القادمة؛ فيضربني ضربا مبرحا!!!!!!!
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشرع الحكيم قد شرع الزواج ليكون سكنا للزوجين، وليكون أساساً لأسرة مستقرة.
قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم: 21}.
ومن أعظم ما يمكن أن يعينكما على تحقيق هذا المقصد النبيل: أن تتذكرا ما أنعم الله به عليكما من نعمة الذرية، وحاجتهم لأن تكون الأسرة مستقرة، حتى تتيسر لكما تربيتهم على أسس سليمة. فيكونوا قرة عين لكما، ومن دعاء الصالحين ما حكاه الله عنهم بقوله سبحانه: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا {الفرقان: 74}.
نقل ابن كثير في تفسيره عن الحسن البصري -وسئل عن هذه الآية - فقال: أن يُري الله العبد المسلم من زوجته، ومن أخيه، ومن حميمه طاعة الله. لا والله ما شيء أقر لعين المسلم من أن يرى ولدا، أو ولد ولد، أو أخا، أو حميما مطيعا لله عز وجل. انتهى.
وعليك بالصبر، وكثرة الدعاء أن يصلح الله الحال بينك وبين زوجك، فربنا سميع مجيب، وهو القائل عز وجل: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر: 60}.
والحياة الزوجية قلَّما تخلو من المشاكل، وينبغي التجاوز عن الهفوات، وتحري الحكمة في حل هذه المشاكل، والحرص على اتقاء الغضب، فغالبا ما يدفع لتصرفات يندم عليها صاحبها، ويدخل الشيطان بين الزوجين للتفريق بينهما، وهذه أفضل أمانيه.
روى مسلم عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة. يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته - قال- فيدنيه منه، ويقول: نعم، أنت.
وإن أمكنك الجلوس مع زوجك والتفاهم بينكما؛ فافعلي، وليكن ذلك في إطار الاحترام المتبادل بينكما لتضعا الأسس التي تسيران عليها في التعامل بينكما، وأن يؤدي كل منكما للآخر حقوقه عليه. وراجعي الحقوق بين الزوجين في الفتوى: 27662.
وإن رأيت الحاجة لأن يتدخل العقلاء من أهلك وأهله؛ فافعلي.
ولا يجوز لك الخروج من البيت والذهاب لأهلك بغير إذن زوجك، وإن اتفقتما على أن تذهبي لأهلك حتى تهدأ النفوس، فلا بأس بذلك.
وأما الطلاق فلا يكون إلا آخر العلاج كالكي، لا يكون إلا آخر الدواء.
فإذا استحكم الشقاق، ولم تجدا سبيلا لعلاج المشاكل بينكما، وخشيتما أن يقع منكما ما هو أشد مفسدة، فلا بأس بالطلاق حينئذ.
والله أعلم.