من أقوال السلف في آفات ينبغي لطالب العلم أن يحذرها
مدة
قراءة المادة :
14 دقائق
.
من أقوال السلف في آفات ينبغي لطالب العلم أن يحذرهاالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فمَنْ وفَّقَه الله عز وجل إلى طلب العلم ينبغي له أن يحذر من الوقوع في آفات تجعل علمه غير نافع له في دنياه وآخرته.
للسلف أقوال في الآفات التي ينبغي لطالب العلم أن يحذرها، يسَّر الله الكريم فجمعت بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
التصدُّر قبل التأهُّل:
• عن أبي حنيفة: من طلب الرياسة بالعلم قبل أوانه لم يزل في ذُلٍّ ما بقي.
• قال سفيان: من ترأس في حداثته كان أدنى عقوبته أن يفوته حظٌّ كبيرٌ من العلم.
• قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قال الشافعي: إذا تصدَّر الحَدَث فاته علمٌ كثيرٌ.
• قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله:
احذر التصدُّر قبل التأهُّل، فهو آفة في العلم والعمل.
احذر ما يتسلَّى به المفلسون من العلم، يراجع مسألة أو مسألتين، فإذا كان في مجلس فيه مَنْ يُشار إليه أثار البحث فيها، ليُظهِر علمَه، وكم في هذا من سوأة أقلها: أن يعلم أن الناس يعلمون حقيقته.
طلب العلم لغير وجه الله تعالى:
• عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: لو أن أهل العلم صانوا العلم ووضعوه عند أهله لسادوا أهل زمانهم؛ ولكنهم وضعوه عند أهل الدنيا لينالوا من دنياهم فهانوا عليهم.
• قال سفيان: ما زال العلم عزيزًا حتى حُمِلَ إلى أبواب الملوك، وأخذوا عليه أجرًا، فنزع الله الحلاوة من قلوبهم، ومنعهم من العمل به.
• عن ابن المبارك قال: ما من شيء أبغض إلى الله من طلب العلم لغير الله.
• قال الشافعي: أخشى أن طلب العلم بغير نيَّةٍ ألَّا ينتفع به.
• قال سفيان بن عيينة: لو أن أهل العلم طلبوه لما عند الله لهابهم الناس؛ ولكن طلبوا به الدنيا فهانوا على الناس.
• قال الخطيب البغدادي رحمه الله: يجب على طالب الحديث أن يُخلِصَ نيَّته في طلبه، ويكون قصده بذلك وجه الله سبحانه...وليتَّقِ المفاخرة والمباهاة به، وأن يكون قصده في طلب الحديث نيل الرئاسة واتخاذ الأتباع، وعقد المجالس، فإن الآفة الداخلة على العلماء أكثرها من هذا الوجه.
• قال حماد بن مسلم: العلم محجة، فإذا طلبته لغير الله صار حُجَّة.
• قال يحيى بن معاذ الرازي: لا تطلب العلم رياءً، ولا تتركه حياءً.
• قال عبدالعزيز بن أبي رزمة: هذا العلم...من لم يطلبه لله خسر الدنيا والآخرة.
• قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: قول عمر: "ألهاني عنه الصفق بالأسواق" دليل على أن طلب الدنيا يمنع من استفادة العلم، وأن كل ما ازداد المرء طلبًا لها ازداد جهلًا، وقلَّ علمُه، والله أعلم.
• قال الإمام القرطبي رحمه الله: الشهوة الخفية: الرجل يتعلم العلم يحب أن يُجلَس إليه.
• قال الإمام الغزالي رحمه الله: من آداب المتعلِّم: ألَّا يقصد الرياسة والمال والجاه ومماراة السفهاء ومباهاة الأقران.
• قال العلَّامة السعدي رحمه الله: ليحذر من طلب العلم للأغراض الفاسدة والمقاصد السيئة؛ من المباهاة والمماراة والرياء والسمعة...فليست هذه حال أهل العلم الذين هم أهله في الحقيقة، ومن طلب العلم واستعمله في أغراضه السيئة أو رياء أو سمعة فليس له في الآخرة من خَلاق.
• قال العلامة ابن باز رحمه الله: ((حنيفًا))؛ أي: لم يمل يمينًا وشمالًا كفعل المفتونين، فإن بعضًا ممن ينتسب إلى العلم لا يثبت على طريقة، فهو تارة مع هؤلاء، وتارة مع هؤلاء، مذبذب، كما قال الله عن المنافقين؛ لأنه ليس هدفه الإخلاص لله، بل له أهداف أخرى؛ فلهذا لا يثبت على قدم، ولا يثبت على طريق، بل ينحرف هكذا وهكذا؛ لأنه مفتون بالدنيا أو مفتون بشهوات أخرى من غير المال، فالحاصل أنه ليس على ثبات، بل له أهداف كثيرة يميل معها، أمَّا دعاة الحق من الأنبياء وأتباعهم بإحسان، فهدفهم واحد، وهو دعوة الناس إلى دين الله، وصبرهم على طاعة الله، وجمع الناس على الخير، وليس لهم هدف آخر.
التعصب للأقوال والأشخاص:
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: الحذرَ الحذرَ من التعصب للأقوال والقائلين...
فإن التعصب مُذهِب للإخلاص، مزيل لبهجة العلم، مُعْمٍ للحقائق، فاتح لأبواب الخصام والحقد، كما أن الإنصاف هو زينة العلم، وعنوان الإخلاص والنصح والفلاح.
الخلاف والجدال والمراء المؤدي إلى الفرقة والشحناء والبغضاء:
• قال مسلم بن يسار: إياكم والمراء، فإنها ساعة جهل العالم، وفيها يلتمس الشيطان زلَّته.
• قال ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: المراء في العلم يُذهِب بنور العلم من قلب الرجل.
• قال معروف الكرخي: إذا أراد بعبده خيرًا فتح عليه باب العمل، وأغلق عنه باب الجدل، وإذا أراد بعبده شرًّا أغلق عليه باب العمل، وفتح عليه باب الجدل.
• قال عبدالرحمن ابن أبي ليلى: ما ماريْتُ أخي أبدًا؛ لأني إنْ ماريتُه، إمَّا أن أكذبه، وإمَّا أن أُغضِبه.
• سأل الإمام أحمد رجل فقال: أكون في المجلس فتذكر فيه السنة لا يعرفها غيري، أفأتكلم بها؟ فقال: أخبر بالسنة ولا تخاصم عليها، فأعاد عليه القول، فقال: ما أراك إلَّا رجلًا مخاصمًا.
• قال الإمام مالك:
الجدال في الدين يُنشئ المراء، ويُذهِب بنور العلم من القلب.
أخبر بالسنة، فإن لم يقبل منك فاسكت.
ليس هذا الجدل من الدين بشيء.
المراء في العلم يُقسي القلب ويُورِث الضغن.
• قال الشافعي: المراء في العلم يُقسِّي القلوب ويُورِث الضغائن.
• قال بلال بن سعد: إذا رأيت الرجل لجوجًا مماريًا فقد تمت خسارتُه.
• قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يختلفون في مسائل الفقه وعلوم الديانة، فلا يعيب بعضهم بعضًا بأكثر من ردِّ قوله، ومخالفته إلى ما عنده من السُّنَّة في ذلك، وهكذا يجب على كل مسلم.
• قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: ومما أنكره أئمة السلف: الجدال والخصام والمراء في مسائل الحلال والحرام أيضًا، ولم يكن ذلك طريقة أئمة الإسلام، وإنما أُحدِث ذلك بعدهم.
• قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: يحرص طالب العلم على تحرِّي الحق...ولا يجعل تحريه للحق سببًا في فرقة العباد، ولا سببًا في وقوع البغضاء والشحناء بينهم؛ بل يتودَّد في ذلك كثيرًا، ولا يجادل مجادلة الذي يريد الانتصار والقوة؛ بل يتكلم في ذلك بسكينة وهدوء، وما أجمل قول الإمام مالك رحمه الله في نحو هذا لما قيل له: الرجل تكون عنده السنة أيجادل عنها؟...قال: "لا، يخبر بالسنة، فإن قُبِلت منه وإلَّا سكَتَ"؛ لأن الشيطان يأتي، فيجعل الإنسان ينتصر لنفسه لا للسُّنَّة، وهذا مسلك شائك في النفوس، ويُنافي الإخلاص، ويُنافي ما يجب.
لهذا يُعوِّد طالب العلم نفسه على الحلم والصبر، وعلى ألَّا ينتصر لنفسه في المسائل العلمية، حتى لو جاء المقابل، وطعن فيه وفي علمه، وطعن في طريقته في الإيراد لا يتأثر بهذا، ويجعل الكلام على العلم؛ لأنه مُبلِغ للعلم، وليس منتصرًا لنفسه، والمنتصر لنفسه يحرم نفسه انتصار الله عز وجل له.
فائدة: قال الإمام الذهبي رحمه الله: أبو سلمة بن عبدالرحمن بن عوف الزهري، قيل: اسمه عبدالله، وقيل: إسماعيل، كان يُناظِر عبدالله بن عباس ويُماريه، فحرم بذلك كثيرًا من العلم.
• قال العلَّامة عبدالرحمن بن ناصر البراك: المراء: الجِدال، وأكثر ما يُطلَق المراء على الجدال بالباطل، إمَّا من جهة القصد، أو من جهة ما يجادل به ويحتج به، من الحجج الباطلة الداحضة، فالاحتجاج بالحجج الباطلة كالاحتجاج والاستدلال بالشُّبَه العقلية، والروايات المكذوبة، أو الجدال على وجه التعصب، لا لقصد إظهار وبيان الحق والوصول إليه، كل هذا من الجدال بالباطل، ومن المراء في الدين، ومن ذلك الجدال أو المراء على وجه المعارضة لما جاءت به النصوص، فكل هذا من المراء في الدِّين.
• قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: المراد بالمراء المجادلة فيما لا فائدة فيه، ولا يُوصلُ إلى تحقيق حكم شرعي، سواء كان في المعتقد أو في غيره، ومنه المناقشات التي تكون لإظهار صفات النفس ولإعلان الإنسان لنفسه على غيره، وقد ورد في النصوص النهي عن المراء...والمؤمن مطالب بإبراز الحق وإظهاره، وأما المناقشة العقيمة فيه فليست من شأن المؤمن.
والجدال يشمل المراء ويشمل غيره، ومن الجدال ما هو محمود كما قال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125]، وكما قال سبحانه:﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [العنكبوت: 46]، فالجدال منه ما هو مذموم، ومنه ما هو محمود، والمذموم أنواع، منها:
1-جدال في مقابلة النصوص ومعارضتها، فهذا مذموم.
2-جدال لم يَسِر فيه الإنسان على مقتضى الأدب والخلق الحسن، وهذا أيضًا مذموم.
الكبر والعجب بالنفس:
• قال مجاهد بن جبر: إن هذا العلم لا يتعلمه مُسْتحٍ ولا مستكبِر.
• قال الإمام الغزالي: من آداب المتعلم ألَّا يتكبَّر على العلم ولا يتأمر على معلم.
• قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: آفة العلم الكِبْر.
• قال العلامة السعدي: احذر من الكِبْر والغرور واحتقار الخلق، وعليك بالتواضُع والاهتمام بالخلق، ورؤية فضل ذي الفضل منهم، واللين والبشاشة لكل أحد مع الإخلاص لله، وإرادة إدخال السرور عليهم، ففي ذلك من المصالح والفوائد ما لا يُعَدُّ ولا يُحصى.
• قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد:
احذر داء الجبابرة: "الكِبرَ"، فإن الكِبرَ والحرص والحسد أولُ ذنب عُصي الله به، فتطاولك على مُعلمك كبرياء، واستنكافك عمن يُفيدك ممن هو دونك كبرياء، وتقصيرك عن العمل بالعلم حمأة كِبْرٍ، وعنوان حرمان.
الزم- رحمك الله- اللصوق إلى الأرض، والإزراء على نفسك، وهضمها، ومراغمتها عند الاستشراف لكبرياء أو غطرسة، أو حُب ظهور أو عجب...ونحو ذلك من آفات العلم القاتلة له، المذهبة لهيبته، المُطفئة لنوره، وكلما ازددت علمًا أو رفعة في ولاية، فالزم ذلك، تُحرز سعادة عظمى، ومقامًا يغبطك عليه الناس.
إياك والخيلاء، فإنه نفاق وكبرياء، وقد بلغ من شدة التوقِّي منه عند السلف مبلغًا.
• قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان: لا تغترَّ بعلمك، وتأمن على نفسك من الفتنة؛ ولكن كن دائمًا على حذر من الفتنة، بأن تزل بك القَدَمُ، وتغترَّ بشيء يكون سببًا لهلاكك وضلالك.
الفتوى بغير علم:
• قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
إننا نُحذِّر إخواننا طلبة العلم والعامة أيضًا أن يفتوا بلا علم؛ بل عليهم أن يلتزموا الورع، وأن يقولوا لما لا يعلمون: لا نعلم، فإن هذا والله هو العلم...فإني أُعيدُ وأُكرِّر: التحذير من الفتوى بغير علم، وأقول للإنسان: أنت في حلٍّ إذا لم يكن عندك علم أن تصرف المستفتي إلى شخص آخر، وكان الإمام أحمد رحمه الله إذا سُئل عن شيء ولا علم له به، يقول: أسأل العلماء.
من آداب طالب العلم الواجبة ألَّا يتسَرَّع في الإفتاء؛ لأن المفتي مُعبِّر عن شريعة الله ورسوله، فإذا أفتى على وجهٍ لا يجوز له فيه الفتوى كان كاذبًا على الله ورسوله، والعياذ بالله، وما أسرع الذين اتَّخذُوا الإفتاء مهنةً للرِّفْعة، فصاروا يتصدَّرُون للإفتاء بغير علم، وهؤلاء من أشدِّ الناس ضَرَرًا بالأُمَّة!
• قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: جُنَّةُ العالم: "لا أدري".
فائدة: قال الشيخ: في كتب المحاضرات أن رجلًا كان يفتي كل سائل دون توقُّف، فلحظ أقرانه ذلك منه، فأجمعوا أمرهم لامتحانه، بنحت كلمة ليس لها أصل هي "الخنفشار" فسألوه عنها، فأجاب على البديهة: بأنه نبت طيب الرائحة، ينبت بأطراف اليمن، إذا أكلته الإبل عقد لبنها، قال شاعرهم:
لقد عقدت محبَّتُكم فؤادي
كما عقد الحليبَ الخنفشار
وقال داود الأنطاكي في" تذكرته" كذا وقال فلان وفلان...وقال النبي صلى الله عليه وسلم، فاستوقفوه، وقالوا: كذبت على هؤلاء، فلا تكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، وتحقق لديهم أن ذلك المسكين: جِراب كذب، وعيبة افتراء في سبيل تعالمه.
حبُّ الشهرة وإظهار المعرفة والفضيلة:
• قال عبدالرحمن بن مهدي: كنتُ أجلس يوم الجمعة في مسجد الجامع فيجلس إليَّ الناس، فإذا كانوا كثيرًا فرحت، وإذا قلُّوا حزنت، فسألت بشر بن المنصور، فقال: هذا مجلس سوء لا تَعُدْ إليه، فما عدت إليه.
• قال الذهبي: كانوا مع حسن القصد وصحة النية غالبًا يخافون من الكلام، وإظهار المعرفة والفضيلة، واليوم يُكثِرون الكلام مع نقص العلم وسوء القصد، ثم إن الله يفضحهم، ويلوح جهلهم وهواهم واضطرابهم فيما علموه، فنسأل الله التوفيق والإخلاص.
فائدة: قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: حجاج بن أرطاة...
كان فقيهًا،...
وكان يقول: أهلكني حبُّ الشرف...
قرأت بخط الذهبي: كان فيه تيه لا يليق بأهل العلم.