عنوان الفتوى : هدية الرجل الشيء يرجو أن يثاب أفضل منه
نحن أبناء قبيلة تضم حوالي ثلاثة آلاف عائلة ، اجتمعنا لإنشاء صندوق للتكافل الاجتماعي ، حيث تدفع كل عائلة سنويا مبلغا محددا من المال ، حتى تستفيد من خدمات الصندوق ، والتي منها : دفع نصف دية القتيل الخطأ ، والتعويض على حرائق البيوت ، وإعانة مرضى الفشل الكلوي ، والأفراح الجماعية ، ونحو ذلك ، إلا أن هناك بعض البنود الخاصة ، التي تحتاج إلى رأي الشارع فيها وهي :أنه في حالة أخذ العائلة المشتركة في الصندوق للدية من قبيلة أخرى فإن للصندوق أن يخصم نسبة (25%) منها لصالحه حتى يتمكن من تأدية نصف الدية إذا طلبت من القبيلة لأنها ستعامل بالمثل من القبائل الأخرى، وكذلك الحكم في التعويضات التي تأخذها العائلة من القبائل الأخرى . ثم إن هذا الصندوق يستفيد منه المنتسبون إليه دون غيرهم فهل هذا جائز أم لا؟ أفتونا مأجورين .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا ريب أن التعاون على الخير والبر مما أمر به الشرع وحث المسلمين عليه، قال تعالى: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى](المائدة: 2). وقال صلى الله عليه وسلم: المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا. وفكرة هذا الصندوق فكرة خيرة نبيلة، ولكي تكون موافقة للشرع يجب أن يكون قائما على التبرع، يعني أن المشترك في هذا الصندوق يدفع المال تبرعا ولا يشترط العوض إن أصابه شيء، ولا مانع أن ينوي ذلك في نفسه، لكن لا يتلفظ باشتراط العوض، فإن اشترط خرج عن كونه متبرعا إلى كونه معاوضا، يوضح ذلك ما قاله صاحب "دليل الطالب" الحنبلي قال: والهبة هي التبرع بالمال في حال الحياة، وشرط كونها من جائز التصرف، وكونها بغير عوض، فإن كانت بعوض معلوم فبيع، وبعوض مجهول فباطلة... ومن أهدى ليهدى له أكثر فلا بأس. اهـ.
فظهر أن المتبرع إذا اشترط عوضا معلوما مقابل تبرعه أو هبته أن تصرفه ذلك يشترط فيه ما يشترط في البيع، وهذا طبعا غير متوفر في فكرة الصندوق موضوع السؤال.
وإن اشترط عوضا مجهولا لم يصح، لفقدان شروط عقد البيع الصحيح، ولكن من تبرع وفي نفسه التعويض فلا بأس ولا أجر له، قال الطبري في قول الله تعالى: [وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ] (الروم: 39).
قال ابن عباس: يريد هدية الرجل الشيء يرجو أن يثاب أفضل منه، فذلك الذي لا يربو عند الله ولا يؤجر صاحبه ولكن لا إثم عليه، وقال ابن عباس وابن جبير وطاووس ومجاهد: هذه الآية نزلت في هبة الثواب، قال ابن عطية: وما جرى مجراها مما يتصدق له الإنسان ليجازى عليه، فهو إن كان لا إثم عليه فلا أجر فيه ولا زيادة عند الله تعالى.
قال الجصاص في "أحكام القرآن": فأما الربا الحلال فهو الذي يلتمس به ما هو أفضل منه. اهـ.
فالمقصود أنه لا يجوز النص عند تبرع على العوض، فلا تدفع مبلغ كذا ليدفع لها مبلغ كذا عند حدوث سبب سواء أكان مصيبة من وفاة أو غيرها، أم كان مناسبة فرح مثلا.
وننبه هنا إلى أن دية قتيل الخطأ يتحملها إلزاما عاقلة القاتل، وهم عشيرة الرجل وعصبته، ولا يتحمل القاتل منها إلا ما يتحمله واحد منهم، لحديث المغيرة بن شعبة أن امرأة قتلت ضرتها بعمود فسطاط فأتي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى على عاقلتها بالدية. رواه مسلم. كما ينبغي أن يعلم أن هذه الدية ملك لورثة الميت، فلا يحق أن يخصم منها شيء لصالح الصندوق إلا بإذن الورثة إن كانوا بالغين رشداء، فإن لم يكونوا كذلك، لم يجز التعرض لها.
وخلاصة الجواب أن الدافع إلى هذا الصندوق مع اشتراط العوض يخرجه عن صفة التعاون والتكافل إلى صفة التجارة والمعاوضة، ويجعل المشارك فيه داخلا في غرر فإنه يدفع مبلغا ثم ينتظر التعويض وقد يكون هذا التعويض أكثر أو أقل مما دفع أو لا يأخذ شيئا أصلا، وبهذا يتجه القول إلى المنع من إنشاء هذا الصندوق بتلك الشروط، وأما انفراد المشاركين بمنافع هذا الصندوق دون غيرهم فجائز، ذلك أن للشخص أن يخص بتبرعه أو صدقته جماعة دون غيرهم، المهم أن يقوم الصندوق المذكور على التبرع وأن يشارك فيه الشخص بدون اشتراط التعويض.
والله أعلم.