عنوان الفتوى : جمع الصلوات بسبب المطر الخفيف
تناقشت مع أحد الإخوة بخصوص الجمع بسبب المطر الخفيف، وقلت له: إنه لا يجوز الجمع للمطر الخفيف، ويجب أن يكون المطر نازلًا وقت نية الجمع للثانية على الأقل، وأن يكون مبللًا الثياب، وعلى هذا إجماع المذاهب التي أجازت الجمع للمطر، فقال لي: إن الرخصة مطلقة، وهي المطر، ولم يرد تخصيص من رسول الله صلى الله عليه وسلم للمطر الذي يجوز الجمع له.
وعلى ذلك؛ فهو يرى أن أيَّ مطر يجوز الجمع له، بل ويرى عدم اشتراط المطر أثناء الصلاة؛ لأنه يقول: إذا كان الأسبوع مطيرًا فيجوز الجمع خلال الأسبوع كاملًا، فقلت له: إن إجماع الأمة التي لا تجتمع على خطأ هو دليل، بل أقوى دليل على اشتراط ضابط للمطر؛ لأنه إجماع نقل بالتواتر التطبيقي، فهل هناك من العلماء من يقول بقوله، أم إنه رأي لا دليل عليه؟ لأني خلال بحثي لم أجد أحدًا، فضلًا عن مذهب قال ما يقوله، وما مذهب سفيان الثوري في هذه المسألة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما قاله صاحبك خطأ ظاهر، قال ابن قدامة في المغني: وَالْمَطَرُ الْمُبِيحُ لِلْجَمْعِ هُوَ مَا (يَبُلُّ) الثِّيَابَ، وَتَلْحَقُ الْمَشَقَّةُ بِالْخُرُوجِ فِيهِ.
وَأَمَّا الطَّلُّ، وَالْمَطَرُ الْخَفِيفُ الَّذِي لَا يَبُلُّ الثِّيَابَ؛ فَلَا يُبِيحُ، وَالثَّلْجُ كَالْمَطَرِ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، وَكَذَلِكَ الْبَرَدُ. انتهى
وقال الشيرازي في المهذب: فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ إلَّا فِي مَطَرٍ يَبُلُّ الثِّيَابَ، وَأَمَّا الْمَطَرُ الَّذِي لَا يَبُلُّ الثِّيَابَ؛ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ لِأَجْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَأَذَّى بِهِ. انتهى.
وجوّز المالكية الجمع لمطر واقع أو متوقّع بين المغرب والعشاء، لكن قالوا: ينبغي إعادة العشاء إذا لم ينزل المطر، قال في مواهب الجليل: وَإِنْ جَمَعُوا لِتَوَقُّعِ الْمَطَرِ، وَلَمْ يَحْصُلْ؛ فَيَنْبَغِي إعَادَةُ الْعِشَاءِ فِي وَقْتِهَا. انتهى.
وشرط جواز الجمع وجود العذر عند افتتاح الأولى؛ لأنه وقت نية الجمع، واستمراره حتى الشروع في الثانية، وقيل: حتى الفراغ منها، قال الشيخ مرعي في دليل الطالب: فإن جمع تقديمًا اشترط لصحة الجمع نيته عند إحرام الأولى، وأن لا يفرق بينهما بنحو نافلة، بل بقدر إقامة ووضوء خفيف، وأن يوجد العذر عند افتتاحهما، وأن يستمرّ إلى فراغ الثانية. انتهى.
وقال الشيرازي في المهذب: فصل: فإذا دخل في الظهر من غير مطر، ثم جاء المطر؛ لم يجز له الجمع؛ لأن سبب الرخصة حدث بعد الدخول، فلم يتعلّق به، كما لو دخل في صلاة ثم سافر، فإن أحرم بالأولى مع المطر، ثم انقطع في أثنائها، ثم عاد قبل أن يسلم، وأدام حتى أحرم بالثانية؛ جاز الجمع؛ لأن العذر موجود في حال الجمع، وإن عدم فيما سواها من الأحوال، لم يضرّ؛ لأنه ليس بحال الدخول، ولا بحال الجمع. انتهى.
وأما أن يجمع حيث لا عذر يبيح الجمع؛ فهذا لا يجوز.
وأما مذهب سفيان الثوري؛ فلم نقف على من نقله، لكن الحنفية يمنعون الجمع في المطر مطلقًا، ويجوّزه الجمهور بالشرط المذكور، على ما نقلناه عنهم.
والله أعلم.