عنوان الفتوى : هل كانت أمّ أويس القرني حية حين قدم المدينة؟
لما قدم أويس القرني من اليمن على عمر بن الخطاب هل كانت أمه حية؟ وهل أمّه مسلمة أم لا؟ ولماذا كان الناس يقدمون من اليمن إلى المدينة؟ وهل كانت اليمن في ذلك الزمن بلدًا مشركًا؟ وسمعت أن أحدًا عرض على أويس أن يعيش في مكان ما، فرفض ليعيش في الخفاء، فلماذا؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن أويس القرني له منزلة رفيعة, وفضل عظيم، فقد جاء في صحيح الإمام مسلم: "باب من فضائل أويس القرني -رضي الله عنه-"، وذكر بعض الأحاديث في فضله، منها: قال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: إن رجلًا يأتيكم من اليمن، يقال له أويس، لا يدع باليمن غير أمٍّ له، قد كان به بياض، فدعا الله، فأذهبه عنه، إلا موضع الدينار، أو الدرهم، فمن لقيه منكم، فليستغفر لكم.
وفي حديث آخر: كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن، سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس، فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مراد، ثم من قرن؟ قال: نعم، قال: فكان بك برص، فبرأت منه، إلا موضع درهم؟ قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال: نعم، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مراد، ثم من قرن، كان به برص، فبرأ منه، إلا موضع درهم، له والدة هو بها برّ، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك، فافعل، فاستغفر لي، فاستغفر له، فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: قوله: (أمداد أهل اليمن) هم الجماعة الغزاة الذين يمدون جيوش الإسلام في الغزو، واحدهم مدد. اهـ
وكانت أم أويس القرني حية حين قدم إلى المدينة؛ بناء على ما نقله بعض أهل العلم، ففي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: (وله والدة)، أي: أم، وهو بار لها (وكان به بياض)، أي: برص، وذهب الله به، أي: أذهبه كله، إلا قدر اليسير، وفيه معجزة ظاهرة (فمروه)، أي: فالتمسوه، أو مروه بناء على أمرنا إياكم أو إياه (فليستغفر لكم). قال ابن الملك: أمر -صلى الله عليه وسلم- أصحابه باستغفار أويس لهم، وإن كان الصحابة أفضل من التابعين؛ ليدل على أن الفاضل يستحب له أن يطلب الدعاء من المفضول، أو قاله -صلى الله عليه وسلم- تطييبًا لقلبه; لأنه كان يمكنه الوصول إلى حضرته، لكن منعه برّه لأمّه، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم به؛ ليندفع به أنه مسيء في التخلّف. اهـ.
وهو لا ينافي ما نقل أنه ترك أمّه، وجاء واجتمع بالصحابة، فإن امتناعه من الإتيان كان بعذر عدم مَن يكون في خدمتها، وقائمًا بمؤنتها، فلما وجد السعة توجّه إلى الصحابة، أو لما فرض حجة الإسلام تعيّن مأتاه، أو أذنت له بالسير في سبيل الله. اهـ
أما عن كونها كانت مسلمة أم لا؟ فلم نقف على تفصيل ذلك، مع أن الوالدينِ الكافرينِ يجب برّهما, والإحسان إليهما في غير معصية الله تعالى، كما سبق في الفتوى: 188593.
وكان أويس -رضي الله عنه- يؤثر الخمول, وعدم الشهرة, كما هو ظاهر مما سبق قريبًا من قوله لعمر -رضي الله عنه-: أكون في غبراء الناس أحب إليّ.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: قوله: (أكون في غَبراء الناس أحب إليّ) هو بفتح الغين المعجمة، وبإسكان الموحدة، وبالمد، أي: ضعافهم، وصعاليكهم، وأخلاطهم، الذين لا يؤبه لهم، وهذا من إيثار الخمول، وكتم حاله. اهـ.
ولم تكن اليمن وقت قدوم أويس إلى المدينة أرض شرك, بل دخلها الإسلام قبل ذلك, وقدم وفدهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم معلنًا إسلامهم، جاء في الروض الأنف شرح السيرة النبوية: وقدم عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ مُلُوكِ حِمْيَرَ، مَقْدَمَهُ مِنْ تَبُوكَ، وَرَسُولُهُمْ إلَيْهِ بِإِسْلَامِهِمْ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ كُلَالٍ، ونعيم ابن عَبْدِ كُلَالٍ. وَالنّعْمَانُ قَيْلُ: ذِي رُعَيْنٍ، وَمَعَافِرَ، وهمدان؛ وبعث إليه زرعة ذو يزن مالك بن مرّة الرّهاوي بإسلامهم، ومفارقتهم الشرك وأهله. اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قوله: تفتح اليمن. قال ابن عبد البر: وغيره افتتحت اليمن في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وفي أيام أبي بكر، وافتتحت الشام بعدها، والعراق بعدها. اهـ.
والله أعلم.