عنوان الفتوى : حكم إجراء عقد النكاح دون صيغة الإيجاب والقبول
السؤال
بارك الله فيكم، لجأت إليكم -وأنا في حيرة لا يعلمها إلا ربي- فأفتوني ليطمئن قلبي.
تزوجت منذ قرابة الستة أشهر، وقد كان العقد في مكتب العدول مع استيفاء الشروط من حضور ولي، وهو والدي، ومن حضور الزوج، والشاهدين العدلين، والمهر، لكن لم يتم التلفظ بصيغة الإيجاب والقبول، ولم أعلم بضرورة هذا إلا مؤخرا، وزوجي لا يزال جاهلا بالأمر، وقد علمت أن شيخ الإسلام ابن تيمية قد أفتى بجواز الزواج، وإن لم يتلفظ بالصيغة إن كان مستوفيا لكل الشروط، لكن علمت من جمهور العلماء من ضرورة تجديد عقد النكاح إن غابت صيغة الإيجاب والقبول.
فأسئلتي متعلقة بسؤال واحد، فأجيبوني عنها جزاكم الله خيرا، فإني -والله- لا يعلم كربي إلا الله، ولا أستطيع انتظار فتاوى أخرى، أريد العودة لزوجي، وأنا مطمئنة.
1- هل يمكن الأخذ بقول ابن تيمية دون تجديد عقد النكاح؟
2- إن رغبنا في تجديد عقد النكاح. هل يجوز تجديده عبر الهاتف بربط الخطوط مع زوجي، ووالدي، والشهود في مكالمة واحدة، كأنهم في مجلس واحد؟
مع العلم بالظروف الحالية التي يعرفها العالم من وباء وحجر صحي، ومع العلم أني الآن جئت لزيارة أهلي لمرض أصاب والدتي، وزوجي وأهلي يوجدون في نفس المدينة، وهل من الضروري وجودي معهم في تلك المكالمة أم لا؟
3- هل يشترط في تجديد عقد النكاح تجديد المهر، أو ذكر المهر السابق؟
هذا كل شيء -بارك الله فيكم-.
ولي عندكم طلب: أحبكم في الله، وقد تعلمت منكم الشيء الكثير في أمور ديني، فلكم الشكر بعد الله. لكن لديَّ شكوى صغيرة ضدكم، فتقبلوها مني برحابة صدر، فأنا أختكم في الله، وكبنتكم.
يأتيكم المستفتي، وجراح نفسه تنزف من الألم، فقد يكون الموضوع الذي يستفتي فيه قلب حياته رأسا على عقب، فتجيبونه بكل مصداقية بما يوافق كتاب الله والسنة، وهذا تحمدون عليه، وتحمدون عليه، وتحمدون عليه. ولكن تهملون جانب المستفتي النفسي.
فحبذا كلمة طيبة، أو مواساة في جملة واحدة، خاصة إن كان الموضوع حساسا جدا. لا تجيبوا المستفتين ببرود. فهو يأتي بكل أمل ينتظر من شيخه المفتي الرد والمواساة.
واعذروني إن أخطأت في قولي هذا. بارك الله فيكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق ذكر الخلاف في حكم النكاح دون صيغة الإيجاب والقبول، وما ذهب إليه الجمهور من عدم صحته، وما اختاره ابن تيمية من القول بصحة النكاح بكل ما يعده الناس نكاحا عرفا، يمكن مراجعة الفتوى: 139073.
وقد بينا فيها ترجيحنا لقول الجمهور، وقوة اختيار ابن تيمية، وأنه لا بأس بالأخذ به.
فإن كان الذي حصل عند العقد مما يعدونه في عرفه نكاحا؛ فلكم الحق -إذن- في المضي على هذا النكاح، وخاصة إن كان في تجديده نوع من الحرج، فقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز الأخذ بالرخصة عند الحاجة، ودفعا للحرج، من غير تتبع للرخص.
قال السبكي في الإبهاج شرح المنهاج: يجوز التقليد للجاهل، والأخذ بالرخصة من أقوال العلماء بعض الأوقات عند مسيس الحاجة، من غير تتبع الرخص، ومن هذا الوجه يصح أن يقال: الاختلاف رحمة؛ إذ الرخص رحمة. اهـ.
وإن رأيتم الاحتياط، وتجديد العقد؛ فهو أفضل، وتجديد العقد يستلزم مهرا جديدا.
أمّا إذا كان الذين عقدوا هذا العقد لا يعدونه نكاحا؛ فالعقد باطل؛ ولا وجه لتصحيحه، إلا بعقد جديد.
وإجراء عقد النكاح عبر وسائل الاتصال الحديثة قد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بالمنع منه، وذهب بعض العلماء المعاصرين إلى جوازه، وللمزيد يمكن مراجعة الفتوى: 96558.
ويمكن الترخص بهذا القول الأخير عند الحاجة. ويمكن النظر في عقد النكاح بحضور الجميع في مجلس العقد مع اتخاذ الاحتياطات الصحية، ولا يلزم حضورك مجلس العقد.
وفي الختام نشكرك على هذا التنبيه الذي ذكرت في ختام سؤالك، فجزاك الله خيرا، ونحن حريصون على مراعاة الجانب النفسي للسائل، والعمل على ما يهون عليه ذلك من التوجيه ونحوه، مما ليس فيه مخالفة لأحكام الشرع، وقد يفوت ذلك أحيانا، وهو غير مقصود.
والحكم في المهر أنك إن كنت قد دخل بك زوجك استحققت هذا المهر بالدخول. فإن تم تجديد العقد، فلك الحق في مهر جديد. وإن لم يكن قد حصل دخول، فلم تستحقي شيئا، وبالتالي يمكن الاكتفاء بالمهر الأول، ولا يلزم مهر جديد.
وتراجع الفتوى: 107332.
والله أعلم.