التوحيد أولا يا دعاة الإسلام
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
التوحيد أولاً يا دعاة الإسلام
اعلَموا - رحمكم الله - أن الله تبارك وتعالى أرسل الرسول لغاية واحدة وهدف واحد، وهي عبادته وحده، وتوحيده وحده، فهذا أصل الرسالة، وسائر العبادات والأحكام تأتي تبعًا؛ قال عز من قائل: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]؛ فالتوحيد أول دعوة الرسل، وأول منازل الطريق، وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله عز وجل؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 59]، وقال هود عليه السلام لقومه: ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 65]، وقال صالح عليه السلام لقومه: ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 73]، وقال شعيب عليه السلام لقومه: ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 85]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، هذه دعوة جميع الرسل، وبتوحيد الله عز وجل بدؤوا رسالتهم، توحيده في فعله؛ أي: هو الخالق والرازق والمدبِّر وحده، لا شريك له، وتوحيده في عبادته بألا يعبد دونه أحد، ولا معه أحد، لا نبي مرسل، ولا ملَك مقرَّب؛ لأنه المستحق للعبادة وحده، وتوحيده فيها أوجب الواجبات، وتوحيده في أسمائه وصفاته؛ أي: وَصْفه وتسميته سبحانه وتعالى بما سمى به نفسه، ووصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله؛ وذلك بإثبات ما أثبته، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل؛ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1 - 4]، لا شبيه له، ولا مثيل له، ولا نظير له، ولا ندَّ له.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسولُ الله)).
إياه نعبد، وإياه نستعين، وإياه نستغيث؛ حبًّا فيه، ورجاءً فيما عنده، وخوفًا منه؛ قال تعالى في سورة الفاتحة: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، الدين كله عائدٌ إلى هذين المعنيين؛ فالأول تبرُّؤ من الشرك، والثاني تبرؤ من الحَوْل والقوة.
أيها الإنسان، كنتَ في الماضي عدَمًا محضًا فخلَقَك ﴿ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ﴾ [مريم: 9]، وكنت ميتًا فأحياك ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ﴾ [البقرة: 28]، وكنت جاهلًا فعلمك ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ﴾ [النحل: 78]، فكنت عدَمًا فأوجدك، وكنت ميتًا فأحياك، وكنت عاجزًا فقواك، وكنت جاهلًا فعلَّمك، ولأنه سبحانه وتعالى قديم أزلي فبقدرته الأزلية وعلمه الأزلي أحدثك، ونقَلك من العدم إلى الوجود؛ فهو إله لهذا المعنى، مستحق للعبادة وحده لا شريك له، فهو الذي رفع السماء بلا عمد، وبسط الأرض بلا دعم، ويسيِّر الشمس والقمر، ويخرج من السحاب البرق تارة، والهواء تارة، والماء تارة، ومن الأرض يخرج الماء من الحجر، ويخرج الحجر من الماء، والجبال أرساها، والشمس تجري لمستقر لها، خسَف بقارون، وأغرق فرعون، ورفع محمدًا، وجعل النار على إبراهيم بردًا وسلامًا، ورفع موسى فوق الطور، وعليه رفعه، وغرَّق الدنيا من التنور اليابس، وجعل البحر يابسًا لموسى عليه السلام، فقل لي بربك: من كانت هذه قدرته، فهل يعقل أن يساوى بينه وبين الجمادات أو النباتات أو الإنسان أو الحيوان أو الفلك أو الملك؟!
فإن العقل والعلم لا يساوي بين الناقص والكامل، والخسيس والنفيس.
أيها الناس، التوحيد الخالص هو مقصود الرسالات السماوية كلها، وهو عمود الإسلام، وهو الذي يجب أن نغارَ عليه، ونصونَه من كل شائبة، فوالله ما أصاب الأمةَ من بلاء، وما تسلَّط عليها الأعداء، وما استُبِيحت حرماتهم، وأُيِّم نساؤهم، ويُتِّمَ أطفالهم - إلا بسبب ضعف التوحيد في نفوسهم، بل أكثرهم يجهل التوحيد، فتوجهوا إلى أصحاب القبور، فطافوا حولها، وقبَّلوها، وتمسَّحوا بها، واستغاثوا بأهلها، وخرج الدعاة إليها والناشدون بها، ونحوها من العبادات التي لا تصلُحُ إلا للحي القيوم، والخالق البديع، والبارئ الفاطر، أفغير الله يُتَّخذ وليًّا فاطر السموات والأرض؟!فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن التوحيد هو حق الله على العبيد؛ فمعرفتُه أوجب الواجبات، والجاهل به غير معذور.
فاللهم إليك نخشع ونَذِلُّ ونستكين، إقرارًا لك يا ربنا، بربوبيتك وألوهيتك، وبأسمائك وصفاتك.