عنوان الفتوى : عقد النكاح عبر وسائل الاتصال الحديثة.. رؤية شرعية
سؤالي: أني خطبت لابن خالي من غير رؤيته بل كان عن طريق الهاتف أنا أعيش بأمريكا وهو بفلسطين وكتبنا الكتاب عند المسجد في أمريكا، ولكن عند توثيقه قالوا إن قوانين الولاية لا يمكن اعتباره عقد زواج لأني لم ألتق به فلم يوثق العقد واستمرت الخطبة وحصل خلاف على أثره فكت الخطبة، سؤالي بالنسبه لعقد الزواج غير الموثق هل يعتبر عقد زواج؟ وهل يلزمني بطلب الطلاق من ابن خالي؟ أو أنه يعتبر لاغيا بحكم أنه لم يوثق والحكومة هنا لم تعترف به، دلوني؟ جزاكم الله ألف خير.. وشكراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يشترط لا في الخطبة ولا في عقد النكاح أن ترى المرأة الرجل أو العكس، والرؤية بين الخاطبين سنة فقط، وإذا كانت شريعتنا المطهرة تحكم بصحة الخطبة وصحة العقد من دون رؤية فلا عبرة بالقانون المخالف للشريعة في أي دولة كان، وليس من شرط صحة النكاح أن يوثق في المحاكم، بل بمجرد أن يتم الإيجاب من الولي والقبول من الزوج بحضور شاهدي عدل فقد تم عقد النكاح.
وعليه.. فإذا كان المقصود بقولك (وكتبنا الكتاب عند المسجد)، أنه تم عقد النكاح الشرعي المكتمل الذي يخاطب فيه ولي المرأة الزوج أو وكيله الحاضر في نفس المجلس فيقول له: زوجتك بنتي فلانة، ويرد المتقدم للزواج أو وكيله بالقبول قائلاً: قبلت زواجها، ويكون هذا بحضور شاهدي عدل، فإذا كان هذا هو الذي تم فقد أصبحت زوجة لابن خالك، فإذا أردتم الانفصال فلا بد من الطلاق الشرعي.
وأما إذا تم عقد النكاح عبر الهاتف فإن الحكم يحتاج إلى تفصيل، فنقول: إن إجراء عقد النكاح عن طريق الهاتف أمر حادث لم يكن عند علمائنا السابقين، وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي عدم صحة ذلك، وهذا نص القرار تحت عنوان (حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة): إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجده في المملكة العربية السعودية من 17-23 شعبان1410هـ الموافق 14-20 آذار (مارس) 1990م، بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة، ونظراً إلى التطور الكبير الذي حصل في وسائل الاتصال وجريان العمل بها في إبرام العقود لسرعة إنجاز المعاملات المالية والتصرفات وباستحضار ما تعرض له الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب وبالكتابة وبالإشارة وبالرسول، وما تقرر من أن التعاقد بين الحاضرين يشترط له اتحاد المجلس -عدا الوصية والإيصاء والوكالة- وتطابق الإيجاب والقبول، وعدم صدور ما يدل على إعراض أحد العاقدين عن التعاقد، والموالاة بين الإيجاب والقبول بحسب العرف، قرر ما يلي:
أولاً: إذا تم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد ولا يرى أحدهما الآخر معاينة، ولا يسمع كلامه وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو السفارة (الرسول)، وينطبق ذلك على البرق والتلكس والفاكس وشاشات الحاسب الآلي (الحاسوب) ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلى الموجه إليه وقبوله.
ثانياً: إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين، وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي، فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقداً بين حاضرين، وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء المشار إليها في الديباجة.
ثالثاً: إذا أصدر العارض بهذه الوسائل، إيجاباً محدد المدة يكون ملزماً بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة وليس له الرجوع عنه.
رابعاً: إن القواعد السابقة لا تشمل النكاح لاشتراط الإشهاد فيه، ولا الصرف لاشتراط التقابض، ولا السلم لاشتراط تعجيل رأس المال. انتهى.
ويؤيد ما ذهب إليه المجمع ما قرره فقهاء الشافعية من أن الشهود على عقد النكاح يشترط فيهم أن يكونوا مبصرين، فلا يصح شهادة العميان على عقد النكاح، لأنهم يشهدون على مجرد الصوت، والأصوات قد تختلط، والفروج ينبغي أن يحتاط فيها ما لا يحتاط في الأموال.
وأما الجمهور من الفقهاء فلا يشترطون في شهود النكاح أن يكونوا مبصرين، فشهادة العميان على عقد النكاح صحيحة عندهم، جاء في الموسوعة الفقهية مانصه: اختلف الفقهاء في اشتراط البصر في شاهدي النكاح. فاشترط الشافعية في شاهدي النكاح البصر، لأن الأقوال -وهي المشهود عليه في عقد النكاح- لا تثبت إلا بالمعاينة والسماع.
ولا يشترط الحنفية والمالكية والحنابلة وهو وجه عند الشافعية في شاهدي النكاح البصر، بل يجوز أن يكونا ضريرين إذا تيقنا الصوت تيقنا لا شك فيه. انتهى.
فالظاهر -والله أعلم- أن شهادة من يسمع الصوت بالهاتف إذا تيقن أن الصوت صوت فلان على مذهب الجمهور مقبولة، بجامع أن كلاً من الأعمى الحاضر في مجلس العقد والمبصر الذي لا يسمع إلا الصوت عبر الهاتف لا يطلعان على صورة الموجب والقابل أو أحدهما في عقد النكاح، وينبغي الأخذ بالاعتبار أن الأصوات عبر الهاتف قد يكون بينها وبين الواقع اختلاف، فكم من شخص تميز صوته دون أي لبس، فإذا اتصل عليك بالهاتف لم تعرفه، ولعل الذي دعا مجمع الفقه إلى منع إجراء عقد النكاح عبر الهاتف هو الاحتياط في أمر النكاح لما يترتب عليه من مخاطر، ولأن التلبيس واختلاط الأصوات عبر الهاتف بابه أوسع، ولذا فإننا نشدد على أن يكون مجلس عقد النكاح يضم الموجب والقابل والشهود خروجاً من خلاف أهل العلم، وحتى يحتاط للنكاح الذي سماه الله تعالى في كتابه بالميثاق الغليظ، ويمكن التيسير في هذا بأن يقوم ولي المرأة أو الزوج بتوكيل من يجري عقد النكاح نيابة عنه، وعلى القول بعدم صحة عقد النكاح عن طريق الهاتف كما هو قرار مجمع الفقه، وكما في فتاوى كثيرة في موقعنا فراجعي منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 44492، 46189، 53870، 56665، 79298. فلا تحتاجين في التخلص من هذا العقد إلى طلاق، لأن الطلاق إنما يكون بعد نكاح صحيح، وهذا النكاح فاسد.
وعلى القول بصحته -وهو الذي نراه يوافق ما قرره الفقهاء من المذاهب الثلاثة- فلا بد للتخلص من هذا العقد أن يقوم الزوج بالطلاق، فإذا تم الطلاق ولم يكن دخل بك ولا خلا بك خلوة صحيحة فلا عدة عليك، لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا {الأحزاب:49}، وإن كان قد دخل بك فعليك العدة.
والله أعلم.