عنوان الفتوى : الجواب عن شبهات ظلم المرأة في الدنيا والآخرة
السؤال
لماذا المرأة مظلومة في كل شيء -وكلنا نعرف هذا الشيء-، فالرجل هو المرتاح في الحياة والجنة، والمرأة هي التي تسلّي زوجها؛ حتى يرضى عنها، فلماذا خلقت المرأة بهذه الصورة؟ ولماذا لا يخلقها بنفس مستوى الرجل، فهو على كل شيء قدير، وهو خالق كل شيء، وهو القادر على خلقها كالرجل؛ حتى لا تحزن من النواقص التي فيها.
وقد جعل للرجل الحور العين يستمتع بهنّ، والله سبحانه وتعالى يقدر أن يقول للشيء: كن فيكون، فلماذا خلق الحور العين، وهو قادر أن لا يخلق الحور العين؛ حتى لا تحصل المشاكل بسبب هذا الشيء، فبعض النساء يتصلن بالمشايخ ويعبرن عن حزنهن بأن للرجل حوريات، وليس لهن شيء، وأنه من حقهن مثل هذا الشيء، وأنا بصفتي رجلًا لا أريد الظلم للجنسين.
ثانيًا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرجل زوجته إلى فراشه، فأبت، تلعنها الملائكة حتى تصبح"، وقد انصدمت من هذا الحديث صدمة قوية، ورأيت أن المرأة إذا دعت زوجها إلى الفراش فامتنع، لا يدخل في اللعن، وإنما عليه أن يعاشر امرأته، ولو أنه ترك المعاشرة وترك الوطء، فالله سبحانه وتعالى يقول: "للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم"، أي أن الزوج لديه أربعة أشهر إما أن يطأ، وإما أن يطلق.
وقد قرأت حديثًا آخر للنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا طلبت المرأة الطلاق دون سبب، فالجنة حرام عليها"، أي أن الرجل له أن لا يعاشر امرأته، أو يطلّقها، ولا يستوجب اللعن، والجنة ليست محرمة عليه، أما المرأة فملعونة، والجنة حرام عليها، فهل هذا عدل؟ وهل هذا هو الحق؟ واللهِ إن هذا ظلم للمرأة.
أنا لم كن أعرف هذه الأحاديث، وتأكدت الآن أن المرأة خلقت لأجل الرجل، واللهِ إن المرأة مسكينة في كل شيء، فهي الضحية، أما الرجل فهو يستمتع بزوجته، وحياته حلوة، فهل يرضى الله سبحانه وتعالى بهذا الشيء؟ فقد احترت، فالله تعالى يساعد النساء، أليست هذه هي الحقيقة!؟ فالمرأة خلقت للذلّ وللوجع، وأنا أفكّر أن لا أتزوج؛ حتى لا أظلم زوجتي، وهناك أحاديث كثيرة مثل هذه الأحاديث التي ذكرتها، فهل ابتلى الله المرأة؟ أرجو أن تكون الإجابة مقنعة، فالمرأة هي التي تتعرض للاغتصاب، وهي الضعيفة، وهي التي لا يجب أن تتعطر، والرجل يجوز له، فلماذا كل هذا؟ أرجو أن تفيدوني بالإجابة، فالمرأة مظلومة من الله الذي خلقها. بارك الله فيكم، وجزاكم خيرًا، وشكرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فبداية: نلف النظر إلى أن المسلم الذي قامت عنده الدلائل الكافية على أن القرآن هو كلام الله الخالق سبحانه، وأنه هو الحق المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله الذي أرسله بالبينات والهدى، والذي لا ينطق عن الهوى: فإن هذا المسلم يقدّم دلالة الوحي -كتابًا وسنةً- على رأيه، وحكم عقله المجرد؛ لأنه يعلم أن عقله محصور في قدرته، وتصوّره، وتجربته، وبيئته، وأما الوحي فإنه حكم الله العليم الذي لا يعزب عنه شيء، الحكيم الذي يضع كل شيء في نصابه، الرحيم الذي هو أرحم بنا من أنفسنا وأمهاتنا، الغنيّ الذي لا يحتاج إلينا، الصمد الذي يلجأ إليه الخلائق في جميع حوائجهم، المتصف بكل كمال، والمنتفي عنه كل نقص.
ونعمة العقل إنما هي في تدبّر الوحي، وإعماله، وتقديمه، لا في الاستقلال عنه، والتقدّم عليه؛ ولذلك بدأ ابن الجوزي كتابه: (تلبيس إبليس) بقوله: أما بعد، فإن أعظم النعم على الإنسان العقل؛ لأنه الآلة في معرفة الإله سبحانه، والسبب الذي يتوصّل به إلى تصديق الرسل، إلا أنه لما لم ينهض بكل المراد من العبد، بعثت الرسل، وأنزلت الكتب، فمثال الشرع الشمس، ومثال العقل العين، فإذا فتحت وكانت سليمة، رأت الشمس، ولما ثبت عند العقل أقوال الأنبياء الصادقة بدلائل المعجزات الخارقة، سلم إليهم، واعتمد فيما يخفى عنه عليهم. اهـ.
فكيف ينتفع المرء بعينه، إذا غاب عنه النور الذي يبصر به؟! وراجع تفصيل ذلك في الفتوى: 182599، وما أحيل عليه في آخرها.
وأما غير المسلم؛ فلا ينبغي أن تكون محاورته ومناقشته في الفروع والجزئيات، وإنما في الأصول والكليات -القرآن، والوحي، والنبوة، والرسالة، والإيمان بالغيب والدار الآخرة-، فإذا اتفق معنا في هذه الكليات، صارت هي المرجع في موارد النزاع، وهي الأصل الذي نتحاكم إليه عند الخلاف، كما يدل عليه قوله تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، وقوله سبحانه: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا [الأحزاب:36]، وقوله عز وجل: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور:51].
وعلى ذلك؛ فإن قضايا المرأة التي يستشكلها السائل، وكذلك ما عداها من القضايا، إن وقف المسلم فيها على حكم الشرع -من كلام الله تعالى، أو من كلام رسوله صلى الله عليه وسلم-، فينبغي أن يذعِن ويسلم، ويعلم أن هذا هو الحق، سواء وافقته عقولنا، وأيدته أعرافها وعاداتنا، أم خالفته وناقضته.
ولا مانع بعد ذلك أن يبحث عن تعليل التشريع، أو يتأمّل في حكمة الله تعالى فيما قضاه وقدره: فإن وقف على شيء منها، ازداد إيمانًا، وإن غابت عنه، أو ندَّتْ عن فكره، كان عنده من الإيمان ما يكفي للامتثال، والطاعة، والتسليم، والإقرار بأن هذا هو الحق، وإن تقاصر عنه فهمه، وغابت حكمته عن عقله.
وأما تفصيل أسئلة السائل واستشكالاته، فهي تتلخص في النقاط التالية:
أولًا: المرأة في الإسلام مكرّمة، ولها قدرها وفضلها -أمًّا، وأختًا، وبنتًا، وعمّةً، وخالةً، وقريبةً-، والأصل هو التسوية بينها وبين الرجل في التكاليف الشرعية، إلا ما خصّه الدليل، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما النساء شقائق الرجال. رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وأحمد، وحسنه الألباني.
وتفضيل الرجل على المرأة ليس على إطلاقه، فكم من امرأة تفضل جماعات من الرجال -سواء عند الناس في الدنيا، أم في درجتها في الجنة-، بتقواها، وعملها الصالح.
وأما المفاضلة بين جنس الرجال وجنس النساء، فهو من جنس المفاضلة بين أنواع المخلوقات -آدميين وغير آدميين-، حتى الأنبياء والرسل الذين هم صفوة الخلق، فاضل الله تعالى بينهم في الدرجات، كما قال تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ [البقرة:253]، وقد سبق لنا في عدة فتاوى تناول قضية مكانة المرأة، والمفاضلة بينها وبين الرجل، وراجع في ذلك الفتاوى: 16441، 136201، 292819، 278251.
وأما سؤال: لماذا لم يخلق الله المرأة كالرجل ... ؟! فهذا المنطق في الحقيقة ينسحب على كل الخلائق؛ حيث فاضل الله تعالى بينها في الأرزاق، وفي الدرجات؛ لحكمة، سبق بيانها في الفتويين: 422509، 388123.
ثانيًا: مسألة اختصاص الرجال بالحور العين في الجنة، راجع فيها الفتويين: 199939، 378787.
ثالثًا: مسألة التشديد في امتناع المرأة عن فراش زوجها، بما لم يرد مثله في حق الرجل. هذا يمكن أن تلتمس حكمته في معرفة الفرق بين حاجة الرجل والمرأة للجماع، أو صبرهما عنه، فصبر الرجل عن ذلك أقل من المرأة، ومن ثم؛ فحاجته أعظم! وراجع في ذلك الفتاوى: 183865، 116778، 8935.
وهناك أمور أخرى قد يكون لها تأثير، أو وجه في حكمة ذلك، منها: أن الرجل لا يتأتى منه الوطء إلا بحصول الانتشار، وهذا قد لا يحصل مع عدم الرغبة، بخلاف المرأة، فهي قابلة لذلك؛ حتى ولو لم تتحرك شهوتها.
ومنها: أن الرجل هو الأكثر عرضة للفتن بخروجه، وضربه في الأرض، بخلاف المرأة التي تقر في بيتها غالبًا. وإلى هذا يشير قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أحدكم أعجبته المرأة، فوقعت في قلبه، فليعمد إلى امرأته، فليواقعها؛ فإن ذلك يرد ما في نفسه. رواه مسلم.
ومنها: أن الطلاق بيد الرجل، فإذا امتنعت عنه امرأته، فقد يحمله غضبه على تعجّل الطلاق، ويكون في ذلك ضرر له، ولأسرته؛ ولذلك أيضا كان الإيلاء في حق الرجل وحده؛ لأنه هو الذي بيده عصمة الزواج.
ومع ذلك؛ فإننا ننبه على أن الزوجة إذا كانت محتاجة للجماع، وكان زوجها حاضرًا وقادرًا، فالراجح في هذه الحال أنه يلزمه تلبية حاجتها، ويأثم بترك ذلك، سواء أطلبته الزوجة أم لم تطلبه؛ فالأمر منوط بحاجة الزوجة، وقدرة الزوج، كما سبق بيانه في الفتاوى المحال عليها سابقًا.
رابعًا: مسألة طلاق الرجل لامرأته من غير حاجة، راجع فيها الفتوى: 313699.
خامسًا: مسألة نهي المرأة عن التعطّر إذا خرجت من بيتها، مبناها على أمر ظاهر، وهو مراعاة صيانة المرأة، وعدم لفت النظر والانتباه إليها، فهي من مكملات حجاب المرأة التي تؤمر به عند خروجها من بيتها. ومن ثم؛ فلا يشكل ذلك إلا على من يشكل عليه اختصاص المرأة دون الرجل بالحجاب عند الخروج! وراجع في ذلك الفتويين: 411493، 163373.
وأخيرًا: ننبه على أننا أعرضنا صفحًا عن كثير من عبارات السائل؛ لما فيها من المغالطة الظاهرة، ومجافاة الواقع الذي نراه ونعرفه، كقوله: (المرأة مظلومة في كل شيء .. الرجل هو المرتاح في الحياة والجنة .. الرجل يستمتع بزوجته، وحياته حلوة .. المرأة خلقت للذل وللوجع)! ونحو ذلك من العبارات الفجة.
والله أعلم.