عنوان الفتوى : التفاضل بين الرجال والنساء
هل توجد في الإسلام أدلة على احترام عقلية المرأة، وتفضيلها على عقلية الرجل، وهل استشار النبي صلى الله عليه وسلم إحدى النساء لرجاحة عقلها؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاحترام المرأة نفسا، وعقلا، وبدناً، أمر مقرر في شريعة الإسلام، لا يحتاج إلى برهان، ويكفينا في ذلك أصل التسوية بينها وبين الرجل في التكاليف الشرعية إلا فيما خصه الدليل، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما النساء شقائق الرجال. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد، وحسنه الألباني.
قال الخطابي في (معالم السنن): أي نظائرهم، وأمثالهم في الخلق، والطباع فكأنهن شققن من الرجال. وفيه من الفقه إثبات القياس، وإلحاق حكم النظير بالنظير، وأن الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور كان خطابا للنساء، إلا مواضع الخصوص التي قامت أدلة التخصيص فيها. اهـ.
وقال الصنعاني في (التنوير) في شرح حديث: لعن الله الرجلة من النساء: المترجلة التي تتشبه بالرجال في زيهم، وكلامهم ونحو ذلك. أما في العلم، والرأي، فمحمود. قلت: ما هو تشبه، بل عمل بما أمرت به؛ فإن النساء شقائق الرجال، قد أمرن بالعلم والعمل، وكيفية التعلم والتعليم لا يختص بها الرجال. اهـ.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 16441.
وأما تفضيل عقل المرأة على عقل الرجل، بمعنى تفضيل عقل جنس النساء، على عقل جنس الرجال، فهذا لا نعلم عليه دليلا شرعيا، ولا واقعيا، بل يمكن أن يقام الدليل على عكسه، فإن الله تعالى لما قال: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:228}. أعقبها بقوله: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة: 228].
قال ابن كثير: أي: في الفضيلة في الخلق، والمنزلة، وطاعة الأمر، والإنفاق، والقيام بالمصالح، والفضل في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} [النساء:34]. اهـ.
وقال الله تعالى أيضا: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء : 34]. ومن مقتضيات هذه القوامة رجاحة العقل، وزيادة قوة البدن في صنف الرجال، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 138007.
هذا مع التنبيه على أن هذا التفضيل ليس مطلقاً، فليس كل ذكر أفضل أو أعقل من كل أنثى، فهناك كثير من النساء أفضل من كثير من الرجال. وإنما هو تفضيل باعتبار الجنس، وأصل النوع، لا باعتبار الأفراد، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 106951.
وأما قبول مشورة النساء: فقد حصل هذا عندما عاهد النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة عام الحديبية، فأمر أصحابه بالنحر، والحلق فلم يطيعوا أمره.
جاء في (زاد المعاد): فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قوموا فانحروا، ثم احلقوا". فو الله ما قام منهم رجل واحد حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد، قام فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا رسول الله، أتحب ذلك؟ اخرج، ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك، فيحلقك. فقام، فخرج، فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك: نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما. اهـ.
وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: أما توقف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النحر والحلق، فلمخالفتهم العادة التي كانوا عليها ألا ينحر أحد حتى يبلغ الهدى محله، ولا يحلق إلا بعد الطواف والسعي، حتى شاور النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة، فأراه الله بركة المشورة، ففعل ما قالت، فاقتدى به أصحابه. اهـ.
وذكره ابن الملقن في (التوضيح)
وقال ابن حجر في (فتح الباري): فيه فضل المشورة .. وجواز مشاورة المرأة الفاضلة، وفضل أم سلمة، ووفور عقلها حتى قال إمام الحرمين: لا نعلم امرأة أشارت برأي فأصابت إلا أم سلمة. كذا قال، وقد استدرك بعضهم عليه بنت شعيب في أمر موسى. اهـ.
يعني قوله تعالى: قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [القصص: 26].
والله أعلم.