عنوان الفتوى : بيان حق التملك وحق التصرف للمرأة بما تملك بدون سلطان لأحد عليها
أمي موظفة وعند رغبتها في شراء أرض غضب أبي، وقبل عدة سنوات غضب غضبا شديدا لشرائها أرضا، ثم تم تسجيلها باسمه، وأمي تريد أن ترجعها باسمها، فهل يجوز لها أن تطالبه بأن يعيدها باسمها حيث تم وضعها باسمه لإنهاء إجراءات الشراء؟ ويوجد لقبيلة أمي مساحة كبيرة من الأراضي، وقال شيخ القبيلة عليكم أن تحيوا الأرض، ومن يريد أن يمسح ويمهد أرضا وتكون له، فليفعل، ومنع أمي ورفض أن تذهب وتأخذ لها أرضا، وقال ما عندك من إرث يكفيك, علما بأنه ليس لها ولا تملك غير الأرض المذكورة من راتبها، ولأنها يتيمة حرمت من إرث أبيها، وتريد أرضا في مكان قبيلتها حتى تحييها وتضع بها مشروعا صغيرا، فما حكم منع أبي لها من شراء أرض أو غير ذلك من الأمور أو امتلاك أرض؟ وهل هو آثم؟ وكيف يجب علينا التصرف؟ وهل نحن آثمون عند ما نبين الحق لأحدهما؟ أم الأفضل السكوت؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مال الزوجة، مال خاص بها، ولها في الشرع حق التملك للمال والتصرف به في أوجه الحلال كتجارة وغيرها من بيع وشراء وصدقة، وليس من حق الزوج أن يتسلط على مالها أو يأخذه منها إلا بطيب من نفسها، جاء في قرار عن المجمع الفقهي التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي: للزوجة الأهلية الكاملة والذمة المالية المستقلة التامة، ولها الحق المطلق في إطار أحكام الشرع بما تكسبه من عملها، ولها ثرواتها الخاصة، ولها حق التملك وحق التصرف بما تملك، ولا سلطان للزوج على مالها، ولا تحتاج لإذن الزوج في التملك والتصرف بمالها. اهـ.
وقال ابن بطال: فثبت أن من صح رشده صح تصرفه في ماله بما شاء، وقال: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً { النساء: 4} الآية، فأباح للزوج ما طابت له به نفس امرأته، وقال: وإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {البقرة: 237} فأجاز عفوها عن مالها بعد طلاق زوجها إياها بغير استئمار من أحد، فدل ذلك على جواز أمر المرأة في مالها، وعلى أنها فيه كالرجل سواء، واحتجوا بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أسماء بالصدقة ولم يأمرها باستئذان الزبير، وأن ميمونة أعتقت وليدة لها ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم، وبحديث ابن عباس أنه عَلَيْهِ السَّلام خطب النساء يوم عيد، وقال لهن: تصدقن ولو من حليكن ـ وليس في شيء من الأخبار أنهن استأذن أزواجهن، ولا أنه عَلَيْهِ السَّلام أمرهن باستئذانهم، ولا يختلفون في أن وصاياها من ثلث مالها جائزة كوصايا الرجل، ولم يكن لزوجها عليها في ذلك سبيل ولا أمر، وبذلك نطق الكتاب، وهو قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ { النساء : 12} فإذا كانت وصاياها في ثلث مالها جائزة بعد وفاتها، فأفعالها في مالها في حياتها أجوز. اهـ.
وعلى هذا؛ فإن الأرض التي اشترت أمكم بمالها تعتبر ملكا لها ولها الحق في مطالبة زوجها بأن يسجلها باسمها لتثبت ملكيتها لها وتوثقها، كما أن لها أن تتملك ما يعطى لها أو ما تشتريه بمالها وتتصرف فيه بما لا يخالف الشرع، وإذا منعها الزوج من ذلك فإنه يعد ظالما لها متعديا على حقها، وفي المقابل ينبغي لها أن لا تفعل شيئا دون إذنه واستشارته تطييبا لخاطره وحفاظا على استمرار العلاقة معه وعدم تعكير صفوها.
أما موقف الأبناء: فهو أن يحرصوا على بر أبويهما ويعملوا على استمرار حبل الود بينهما، وينبغي أن ينصحوا الأب بلطف وأدب ويبينوا له أن ما يقوم به ليس من حقه، فالنصيحة من أساسيات الدين، جاء في صحيح مسلم عن تميم الداري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم.
والنصيحة لازمة بحسب الاستطاعة، إلا إذا خشي منها ضرر أو مكروه، يقول النووي: والنصيحة لازمة على قدر الطاقة، إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه، ويطاع أمره، وأمن على نفسه المكروه، فإن خشي على نفسه أذى، فهو في سعة. اهـ.
والله أعلم.