عنوان الفتوى : لا تعارض بين أسر الكفار المحاربين والإحسان إليهم
قرأت عن غزوات الرسول، ومررت على غزوة بني المصطلق، وغزوة بني قريظة، وقرأت أن الرسول صلى الله عليه وسلم سبى نسائهم، فهل يعقل أن الرسول صلى الله عليه وسلم يسبي نساء أعدائه، وهو الذي يقول: "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"؟ إذ إن الله يوصي في كتابه بالإحسان إلى الأسير، وهو رجل وعدو، فكيف بنساء ضعيفات؛ تؤخذ المرأة من أهلها، أو من أبنائها حتى تكون أمة، ويستباح فرجها من قبل مولاها؟! أنا أشك بأن هذه الروايات غير صحيحة، أو أن أمرًا غاب عنا، أو أننا فهمنا خطأ، فهل ما ورد صحيح؟ وإذا كان صحيحًا فكيف يحصل هذا وديننا دين الرحمة، والسلام؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فروايات السبي في غزوة بني قريظة، وبني المصطلق صحيحة، وثابتة، في صحيحي البخاري، ومسلم، وغيرهما، ومعلوم عند أهل العلم أن الصحيحين هما أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل، وانظر الفتوى رقم: 13678.
وكما أنه لا تعارض بين أسر الكفار المحاربين وبين الإحسان إليهم في أسرهم، فكذلك لا تعارض بين سبي نساء المحاربين وبين الرحمة بهن، والإحسان إليهن، ومعاملتهن بمكارم الأخلاق، بل إن نفس سبي هؤلاء النساء الضعيفات لا يخلو من الرحمة بهن من حيث الإبقاء عليهن أحياء، وانتشالهن من بيئة الكفر، ومحاربة الإسلام، إلى العيش في ظلال أهل الإسلام؛ جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: أن أصل الاسترقاق إنما هو عن طريق الأسر، أو السبي في جهاد الكافرين لإصلاح من استرقوا بعزلهم عن بيئة الشر، وعيشتهم في مجتمع إسلامي يهديهم سبيل الخير، وينقذهم من براثن الشر، ويطهرهم من أدران الكفر والضلال، ويجعلهم أهلًا لحياة حرة، يتمتع فيها بالأمن، والسلام، فالاسترقاق في حكم الإسلام كأنه مطهرة، أو سون حمام يدخله من استرقوا، من باب ليغسلوا ما بهم من أوساخ، ثم يخرجون من باب آخر في نقاء، وطهارة، وسلامة من الآفات.
وأيضًا ففي سبيهن مصلحة لهن من حيث القيام برعايتهن، وإعفافهن، ولا سيما إن قتل رجال أقوامهن، أو أسروا.
ثم إن علاقة السيد بالسبايا علاقة بر، وإحسان، وليست علاقة ظلم، وإذلال.
وقد ينتج عن السبي خير عظيم في الدنيا، والآخرة؛ ففي غزوة بني المصطلق تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم أسيرة من الحي المغلوب ليرفع من مكانتها, حيث كانت ابنة أحد زعمائه, وهي أم المؤمنين جويرة بنت الحارث -رضي الله عنها-، فما كان من المسلمين إلا أن أطلقوا سراح جميع هؤلاء الأسرى، وكذلك ما حصل لصفية بنت حيي بن أخطب -رضي الله عنها- من عتق النبي صلى الله عليه وسلم لها، وتزوجه بها، فصارت كل منهما من أمهات للمؤمنين، فهما زوجتاه في الدنيا والآخرة.
ولمزيد الفائدة حول موضوع السبي راجع الفتاوى التالية أرقامها: 219475، 213583، 277981، 243121، وإحالاتها.
وانظر أيضًا الرابط التالي: http://islamqa.info/ar/172745
وأما بخصوص استباحة فرج المسبية من قبل مولاها: فلا غضاضة في ذلك؛ لأن عقد ملك اليمين أقوى من عقد النكاح، ثم إن في ذلك إعفافًا لها؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وطء الإماء الكتابيات بملك اليمين أقوى من وطئهن بملك النكاح عند عوام أهل العلم من الأئمة الأربعة، وغيرهم, ولم يذكر عن أحد من السلف تحريم ذلك.
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 262030، وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.