عنوان الفتوى : لماذا لم ينهَ الإسلام عن سبي النساء؟ وما الحكمة منه؟
ما هو مفهوم سبي النساء؟ وهل يجوز اغتصابهن والتمتع بهن دون الزواج بهن؟ وما الحكمة من ذلك؟ فأنا يتولد لديّ شعور أن هذا الأمر مناف للعادات الإسلامية، وأصبحت تعتريني الشكوك حول هذا الموضوع, وراجعت مواضيع عديدة لكني لم أقتنع، فهي عادة جاهلية, فلماذا لم ينهَ عنها الإسلام كنهيه عن دفن البنات؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأولى بالمسلم أن يشتغل بما يعنيه من أحكام دينه، وأن يستثمر وقته وهمته في طلب ما ينفعه من العلم؛ فإن المقصود من العلم هو العمل، وما لا ينبني عليه عمل، لا يحسن البحث عنه، ومن ذلك المسائل المتعلقة بالسبي والاسترقاق، فإنه ليس لها كبير فائدة في العصر الحالي كما يقول الشاطبي - رحمه الله - في الموافقات: كل مسألة لا ينبني عليها عمل؛ فالخوض فيها خوض فيما لم يدل على استحسانه دليل شرعي، وأعني بالعمل: عمل القلب، وعمل الجوارح، من حيث هو مطلوب شرعًا، والدليل على ذلك استقراء الشريعة، فإنا رأينا الشارع يُعرض عما لا يفيد عملا مكلفًا به. انتهى.
وانظر الفتوى رقم: 122478.
واعلم أن الإسلام لم يأت لتعبيد الناس، وإنما جاء لتحريرهم كما قال ربعي بن عامر - رضي الله عنه - لرستم: إننا أمة ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ظلم الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا، والآخرة.
وقد جاء الإسلام والرق واقع يحياه الناس قبل ظهور الإسلام بأزمنة طويلة وقرون مديدة، كما بينا في الفتويين التاليتين:93501، 4492.
وقد رغب في التحرير تطوعًا، كما شرعه كفارة لعدة أمور، ومنع جميع أسباب الاسترقاق ولم يبق منها إلا ما كان في الحرب.
وقد جاء في كتاب: شبهات حول الإسلام ـ للأستاذ محمد قطب في الجزء الخاص بهذه الشبهة تحت عنوان: الإسلام والرق ـ وقد تناول مؤلفه جواب ما استفسر عنه السائل، فكان مما قال: لقد جفف الإسلام منابع الرق القديمة كلها، فيما عدا منبعاً واحداً لم يكن يمكن أن يجففه، وهو رق الحرب، ولنأخذ في شيء من التفصيل: كان العرف السائد يومئذ هو استرقاق أسرى الحرب أو قتلهم، وكان هذا العرف قديماً جداً، موغلاً في ظلمات التاريخ، يكاد يرجع إلى الإنسان الأول، ولكنه ظل ملازماً للإنسانية في شتى أطوارها، وجاء الإسلام والناس على هذا الحال، ووقعت بينه وبين أعدائه الحروب، فكان الأسرى المسلمون يسترقون عند أعداء الإسلام، فتسلب حرياتهم، ويعامل الرجال منهم بالعسف والظلم الذي كان يجري يومئذ على الرقيق، وتنتهك أعراض النساء لكل طالب، يشترك في المرأة الواحدة الرجل، وأولاده، وأصدقاؤه من يبغي الاستمتاع منهم، بلا ضابط ولا نظام، ولا احترام لإنسانية أولئك النساء أبكاراً كن أم غير أبكار، أما الأطفال ـ إن وقعوا أسرى ـ فكانوا ينشؤون في ذل العبودية البغيض، عندئذ لم يكن جديراً بالمسلمين أن يطلقوا سراح من يقع في أيديهم من أسرى الأعداء، فليس من حسن السياسة أن تشجع عدوك عليك بإطلاق أسراه، بينما أهلك وعشيرتك، وأتباع دينك يسامون الخسف والعذاب عند هؤلاء الأعداء، والمعاملة بالمثل هنا هي أعدل قانون تستطيع استخدامه، أو هي القانون الوحيد، ومع ذلك فينبغي أن نلاحظ فروقاً عميقة بين الإسلام وغيره من النظم في شأن الحرب وأسرى الحرب ... اهـ.
وأما الاستمتاع بالمسبية فليس فيه اغتصاب، ولا عدوان على المرأة المسبية، ولا انتهاك لحقوقها، بل هو تكريم لها ورفع لقدرها؛ لأن المسبية إذا دخلت في ملك الرجل بحكم السبي فإنها غالبا ستنضم إلى عياله وأهله، وهي امرأة لها حاجاتها ومتطلباتها النفسية، والجنسية، فلو منعنا الرجل من وطئها ففي هذا فتنة له؛ لأنها امرأة أجنبية مقيمة معه في بيته، تقوم على خدمته وتشاركه خصوصياته فهي أمام عينيه صباح مساء، وفيه أيضا فتنة لها نظرا لاحتياجها لما تحتاجه النساء، فاقتضت حكمة اللطيف الخبير أن يبيحها لسيدها ليحصل الإعفاف لكل منهما بدلا أن يقعا في الحرام، أو تلجأ الجارية إلى فعل الفواحش والمنكرات فينبت في المجتمع نابتة من ملك اليمين تشيع فيه الفاحشة والرذيلة، وفي هذا معاملة كريمة للمرأة المسبية، إضافة إلى أن هذا سيفتح لها باب العتق؛ لأنها إذا حملت من سيدها وأنجبت فقد صارت أم ولد، وأم الولد تخرج من الرق الكامل خروجًا جزئيًا بمجرد الوضع للمولود، وتعتق عتاقا كاملا بمجرد موت سيدها.
والله أعلم.