عنوان الفتوى : مسائل حول إكرام الشريعة للمرأة وعدم إهانتها
عند ما أرى معاملة زوجي لي أشعر بالنقص والألم خاصة وأنه يخوفني دائما بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها. أو بما معناه. فأرى نفسي دائما كآلة في يده يحركها كيفما يشاء. ولا أشعر أبدا بأني زوجة بل أشعر وكأني طفلة صغيرة أمامه يوبخها إذا أخطأت، ويغضب منها إذا ناقشته بأمره.أنا أؤمن بأن الإسلام أعطى قيمة كبرى للمرأة, ولكني بصراحة أشعر أنها قيمة نظرية، فأنا لا أجد فرقا بين الزوجة والخادمة، فالزوجة حتى ولو لم تكن مقتنعة بما يطلبه زوجها منها يجب عليها أن تنفذ طلبه كي لا تكون ناشزا. وهذا حال الخادمة التي يجب عليها أن تنفذ أوامر سيدها.سيدي الفاضل أعرف أني قد أأثم على كلامي ولكني أقوله كي تبين لي ما يخالجني من أفكار.لماذا على المرأة أن تطيع زوجها في حين هو لا يطيعها؟ لماذا على الزوجة خدمة زوجها في حين هو لايخدمها؟ لماذا على الزوجة أن تصبر تجاه أي تقصير مادي أو معنوي أو عاطفي من زوجها تجاهها في حين لا يجب عليه أن يصبر على أي تقصير منها؟ لماذا يجب على الزوجة أن تقتنع برأي زوجها رغما عنها في حين لا يجب عليه أن يقتنع برأيها؟ لماذا له أن يدير كل أمور البيت كيفما شاء؟ وليس لها ذلك؟ولدي عدة تساؤلات عن المرأة وحياتها:منها: لماذا نرى أن أغلب النساء يتعرضن للألم في حياتهن أكثر من الرجل مع أنه أقوى منها، فالمرأة عند ما تبدأ بالبلوغ تلاقي آلاما جسدية كثيرة حتى إن بعض النساء لا تستطيع تحمل آلام الدورة الشهرية وتضطر للذهاب للمشفى لأخذ المسكنات. ومن ثم الآلام التي تمر عليها في أول يوم من زواجها. لماذا يكون في هذا اليوم لذة للرجل وألم للمرأة؟ ومن ثم آلام الحمل من أول يوم لآخر يوم وبعدها ألم الولادة ومن ثم ألم الارضاع. ومن ثم الآلام النفسية من عاطفتها على أطفالها فإذا ما مرض طفل منهم ترى قلبها وكأنه يعتصر دما على رؤية فلذة كبدها يبكي من ألمه .في حين أن الرجل ليس كذلك. ومع كل هذا النساء أكثر أهل النار .والنساء يجب أن لا يغضبن أزواجهن وأن لا يغضبن هن كي لاينفر الزوج منها. وعلى المرأة أن تقول لزوجها سمعا وطاعة في كل وقت وحين. وعلى المرأة أن تنظف بيتها وتطبخ لزوجها وتعمل كل أعمال المنزل إضافة إلى تربية الأولاد. ولربما خرج بعضهن للعمل خارج المنزل كي تساعد زوجها بمصروف البيت.أرجو من فضيلتكم أن تعذروني على كلامي ولكني فضلت أن أسأل كل هذه الاسئلة علي أجد الاجابة الشافية التي تدحض كل تساؤلاتي.أرجو منكم وبالله عليكم لاتحيلوني لفتاوى أخرى .وأرجوكم أن تدعو لي بالثبات والهداية.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فابتداء ننبهك على أنه لا يجوز الخلط بين أحكام الشريعة الغراء التي نزلت من عند الله سبحانه بالصدق والعدل, وبين تصرفات البشر الخاطئة المنحرفة. فلا نحاكم شريعة الله سبحانه لتصرفات الناس, بمعنى أنه إذا وجد من الناس من يظلم المرأة ويبخسها حقوقها ويعتدي عليها فلا يجوز أن نلحق هذا بالشريعة السمحة ونقول جاءت الشريعة بظلم المرأة وهضم حقوقها حاشا لله تعالى.
بعد ذلك ننبه على أن الشريعة جاءت بتكريم المرأة وصيانتها من ذلك أن الله سبحانه قد أمر الرجل بمعاشرة زوجته بالمعروف فقال سبحانه: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف0 {النساء:19}.
فقد قال ابن كثير في تفسيره: أي طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف. انتهى.
وقال أبو السعود في تفسيره: وعاشروهن بالمعروف خطاب للذين يسيئون العشرة معهن، والمعروف ما لا ينكره الشرع والمروءة، والمراد ههنا النصفة في المبيت والنفقة والإجمال في المقال ونحو ذلك. انتهى.
وقال الألوسي في روح المعاني:{ وَعَاشِرُوهُنَّ } أي خالقوهن { بالمعروف } وهو ما لا ينكره الشرع والمروءة، والمراد ههنا النصفة في القسم والنفقة، والإجمال في القول والفعل. وقيل: المعروف أن لا يضربها ولا يسىء الكلام معها ويكون منبسط الوجه لها، وقيل: هو أن يتصنع لها كما تتصنع له. انتهى.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. رواه الترمذي. وقال صلى الله عليه وسلم: أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم. رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح.
وفي الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: استوصوا بالنساء خيراً.
من هنا يتبين أن ما يفعله زوجك من إيذائك بما ذكرت يخالف ما أمرت به الشريعة المطهرة وفعله هذا معصية ظاهرة بل عده العلماء من كبائر الذنوب.
واعلمي أن الشرع لم يرض للمرأة بإهانة زوجها لها بل أباح لها طلب الطلاق إن هي تضررت من زوجها بإيذاء ونحوه.
وفي ذلك يقول الدردير في الشرح الكبير: ولها أي للزوجة التطليق بالضرر، وهو ما لا يجوز شرعا، كهجرها بلا موجب شرعي، وضربها كذلك وسبها وسب أبيها، نحو: يا بنت الكلب، يا بنت الكافر، يا بنت الملعون، كما يقع كثيرا من رعاع الناس، ويؤدب على ذلك زيادة على التطليق، كما هو ظاهر، وكوطئها في دبرها. انتهى.
أما بخصوص طاعة الزوج فيما يطلبه من زوجته حتى وإن كانت غير مقتنعة فهذا الكلام ليس على إطلاقه لأنا نعلم يقينا أنه لا يجوز لها أن تطيعه إذا أمرها بمعصية الله بل يجب عليها معصيته في ذلك, وأيضا في الأمور الدنيوية فإن طاعة الزوج ليست مطلقة بل تتعلق طاعته بما يتعلق بالنكاح وتوابعه مما يتوقف عليه استقرار الأسرة ودوام ترابطها وفي ذلك يقول ابن نجيم الحنفي: لأن المرأة لا يجب عليها طاعة الزوج في كل ما يأمر به إنما ذلك فيما يرجع إلى النكاح وتوابعه خصوصاً إذا كان في أمره إضرار بها. انتهى.
فإن أمرها بشيء من ذلك فقد وجب عليها طاعته لأن هذا مما يتوقف عليه تماسك الأسرة ودوام العلاقة الزوجية.
أما عن خدمة الزوجة فقد سبق أن بينا أن خدمة الزوجة لزوجها ليست محل اتفاق بين العلماء بل قد خالف في هذا كثير من أهل العلم فلم يوجبوا على الزوجة خدمة زوجها, وإن كان الراجح هو وجوب خدمة الزوجة لزوجها بالمعروف كما ذكرناه بأدلته في الفتوى رقم: 13158.
وليس في هذا إجحاف بالمرأة فإن المرأة عليها الخدمة داخل البيت والرجل عليه الخدمة خارج البيت، وعليه توفير النفقة من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وعلاج له ولزوجته وأولاده. وهذا مقتضى العدل فإن المرأة وإن طولبت بالخدمة داخل البيت فإنها لا تطالب بالإنفاق على نفسها درهما واحدا ولو كانت أغنى أهل الأرض ولا يملك زوجها أن يأخذ من مالها فلسا إلا برضاها وطيب نفسها.
وأما ما تذكرينه من قبيل الأقدار الكونية التي تصيب المرأة فهذا قدر الله سبحانه وهو جل وعلا لا يسأل عما يفعل وهم يسألون, وهذا من لوازم هذه النشأة الدنيوية فإن الله سبحانه خلق هذه الحياة الدنيا مليئة بالأكدار والمنغصات ولذا لم يسلم من تكديرها وآلامها أحد حتى الأطفال والبهائم التي لم تكلف, وقد ادخر الله سبحانه اللذات الكاملة التامة لعباده المؤمنين في الجنة دار رحمته وكرامته, وله سبحانه في ذلك أبلغ الحكمة فإنه بهذا التكدير يذكر عباده بالنار التي هي دار الأكدار المحضة التي لا يخالطها نعيم بوجه من الوجوه فينزجرون بذلك عن المعاصي والمخالفات ويعملون بالطاعات التي توصلهم إلى دار النعيم المقيم.
وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه مفتاح دار السعادة: فأما اللذات الحقيقية فلها دار أخرى ومحل آخر غير هذه، فوجود هذه الآلام واللذات الممتزجة المختلطة من الأدلة على المعاد وأن الحكمة التي اقتضت ذلك هي أولى باقتضاء دارين دار خالصة للذات لا يشوبها ألم ما ودار خالصة للآلام لا يشوبها لذة ما. والدار الأولى الجنة والدار الثانية النار، أفلا ترى كيف دلك ذلك مع ما أنت مجبول عليه في هذه النشأة من اللذة والألم على الجنة والنار ورأيت شواهدهما وأدلة وجودهما من نفسك حتى كأنك تعاينهما عيانا. انتهى.
هذا مع التنبيه على أن هذه المتاعب التي تعانيها المرأة في حملها ووضعها إرضاعها توجب لها أجرا عظيما وقد بينا هذا مفصلا في الفتوى رقم: 69022، وما أحيل عليه فيها من فتاوى.
واعلمي أن الرجل يعاني في الغالب آلاما من نوع آخر بل أنواع أخرى، فمن الرجال من ترتبط لقمة عيشه وعيش زوجته وأولاده بحمل شاق يمتد ساعات طوال، فهنالك الحمالون وهنالك النجارون والحدادون الذين يحمل أحدهم في مثل هذا الحمل ما يربو على عشر ساعات كل يوم.
والله أعلم.