عنوان الفتوى : مذاهب الفقهاء فيمن نام قبل دخول قت الصلاة
السؤال
قرأت عدة فتاوى على موقعكم بجواز النوم قبل الصلاة بدون ضبط المنبه، ولا أن أوكل أحدًا أن يوقظني، وإن غلب على ظني عدم الاستيقاظ في الوقت؛ لأنني غير مخاطب بالصلاة، وفي الجهة الأخرى قرأت فتاوى على موقعكم بأن من ينام عن الصلاة قبل دخول وقتها بدون ضبط منبه مقصر، ومفرط في الصلاة، ومتهاون بها، ويستحق الوعيد، ومرتكب لكبيرة؛ فلم أفهم هذا الأمر؛ لأنني تقريبًا قرأت كل الفتاوى عن هذا الموضوع، وبعضها يقول بجواز النوم عن الصلاة بدون اتخاذ أسباب الاستيقاظ، وفيه استدلال بقول السيوطي، والرملي، وغيرهم من العلماء، وبعض الفتاوى الأخرى يقول بتفريط من يفعل هذا، وأنه مستحق للوعيد.
فأرجو منكم توضيح آراء المذاهب الأربعة، وابن تيمية، وغيرهم من العلماء في النوم قبل دخول وقت الصلاة بدون اتخاذ أسباب الاستيقاظ، وهل هناك فرق بين من ينام مرة، أو مرتين، وبين من كانت هذه عادته بأنه ينام وهو يعلم أنه لن يستيقظ، ولكنه قد يستيقظ إذا ضبط المنبه، ولكنه لا يضبطه؟
فنحن نرى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يسأل صفوان -رضي الله عنه-: هل توكل من يوقظك؟ هل تتخذ كل الأسباب لتستيقظ؟
وما شرح الحديث الذي رأى فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- أشخاصًا يعذبون لأنهم يرفضون القرآن، وينامون عن الصلاة المكتوبة؟ فهل المقصود بذلك الحديث من ينامون بعد دخول وقت الصلاة، وليس من ينامون قبل دخول وقت الصلاة؟
وهل من أخذ بالقول بجواز النوم قبل دخول الوقت، وعدم ضبط المنبه أو غيره، يكون مستحقًا للوعيد متهاونًا بالصلاة، وسيعذب في البرزخ، على الرغم من أن كثيرا من علماء السلف أفتوا بجواز ذلك؟ وكيف قد أفتوا بجواز ذلك، وغاب عنهم حديث من يعذبون لنومهم عن الصلاة، أم أن للحديث معنى آخر؟
أرجو منكم تفصيل الأمر.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في فتاوى كثيرة سابقة اختلاف الفقهاء فيمن نام قبل دخول الوقت، وعلم، أو غلب على ظنه أنه لا يستيقظ في الوقت. فمنهم من قال بتحريم النوم عليه، ومنهم من قال بالجواز.
جاء في حاشية الرملي على «أسنى المطالب في شرح روض الطالب» (4/ 343): إذَا نَامَ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا نَامَ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا نَامَ اسْتَغْرَقَ الْوَقْتَ بِالنَّوْمِ، وَأَخْرَجَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، وَقَدْ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ. اهــ
وجاء «تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي» (1/ 429): وَمَحَلُّ جَوَازِ النَّوْمِ إنْ غَلَبَهُ بِحَيْثُ صَارَ لَا تَمْيِيزَ لَهُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعَهُ، أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَسْتَيْقِظُ، وَقَدْ بَقِيَ مِن الْوَقْتِ مَا يَسَعُهَا وَطُهْرَهَا، وَإِلَّا حَرُمَ وَلَوْ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ عَلَى مَا قَالَهُ كَثِيرُونَ. اهــ.
وفي حاشية الشرواني عليه: (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ) خَالَفَهُ النِّهَايَةُ، وَالْمُغْنِي فَقَالَا: فَإِنْ نَامَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ يَحْرُمْ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ تَيَقُّظِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطَبْ بِهَا. اهــ.
كما بينا أن من أهل العلم من أوجب عليه لو نام قبل الوقت أن يتخذ من الوسائل ما يعينه على الاستيقاظ في وقتها، وقد قال بهذا بعض الفقهاء المعاصرين، ولم نجده عند أحد من المتقدمين من أصحاب المذاهب الفقهية.
والذي يمكننا قوله باختصار ــ وذكرناه سابقا ــ هو أنه ينبغي لمن نام قبل دخول الوقت أن يتخذ من تلك الأسباب ما يعينه على الاستيقاظ للصلاة إبراء للذمة، وحرصا على أداء الصلاة في وقتها.
وأما حديث الرؤيا الذي قال فيه النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالحَجَرِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ، وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ. رواه البخاري وغيره، فقد بينا في الفتوى: 230932. أنه في حق من ينام، ولا يبالي بالصلاة، ولا يهتم بالاستيقاظ لها، بخلاف من غلبه النوم مع حرصه على أدائها، فإن هذا الذي جاء فيه حديث: ليس في النوم تفريط.
وانظر الفتوى المشار إليها، ففيها مزيد إيضاح حول الجمع بين الحديثين في النوم عن الصلاة المكتوبة.
والله أعلم.