أرشيف المقالات

ليبيا الثورة.. ومحاولات فرض الوصاية الغربيَّة

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
مع اقتراب الثورة الليبيَّة من مرحلة الحسم خاصة مع سيطرة الثوار الليبيين على بلدة (قصر أبو هادي) مسقط رأس العقيد الليبي المخلوع معمر القذافي، وذلك بعد سيطرتهم على مطار سرت الاستراتيجي، وتقدّمهم نحو السيطرة على المدينة بشكلٍ كامل، وهو الشرط الذي وضعه المجلس الانتقالي الليبي لإعلان النصر وتحرير ليبيا، يكثر الحديث حول مستقبل الدولة الليبيَّة الجديدة في ظلّ التدخلات الخارجيَّة خاصة بعد قرار مجلس الأمن رقم (2009) والذي وضع الإطار السياسي لما يجب أن يحدث في ليبيا الجديدة.
ويرى المراقبون أن هذا القرار لا يؤشر إلى بدايات جدية على الإطلاق، حيث ينص هذا القرار الذي صدر تحت الفصل السابع، الذي يسمح باستخدام القوة من أجل تطبيقه، على أن مجلس الأمن سيكون سيدًا على ليبيا وشريكًا لنظام الحكم في كل القرارات السياديَّة الخاصة بالسياسة والموارد والأمن والاقتصاد، وهو ما فسره البعض باحتلال أو وصاية مقننة على الدولة الليبيَّة الجديدة يمكن أن يجعل منها قاعدة عسكريَّة يمكن أن تستخدم في المستقبل كسلاح في وجه دول الجوار.
هيمنة مستمرة
ويؤكِّد المحللون أن التدخل الأمريكي في ليبيا لم يكن بدافع إنساني كما أعلنت واشنطن مرارًا وتكرارًا، ولكن كان وراء ذلك التدخل كثير من الأهداف الاستراتيجيَّة العسكريَّة والاقتصاديَّة، وفي مقدمتها زرع قواعد عسكريَّة أمريكيَّة في كل مكان، ووضع اليد الأمريكيَّة على منابع الثروات في دول العالم شرقًا وغربًا، خاصة النفط والغاز، عصب الصناعة الأمريكيَّة وسر دوران عجلات إنتاجها الحربي والمدني، لافتين إلى أن أمريكا تستعد الآن وتحت غطاء الناتو الذي لها اليد الطولي فيه، لزرعِ قواعدَ عسكريَّة في ليبيا.
ويشير هؤلاء إلى أنه على الرغم من تحرير معظم التراب الليبي فقد أبقى القرار (2009) على فرض الحظر الجوى على الفضاء الليبي كله ولنفس الأسباب التي كانت قائمة إبان حكم القذافي (حماية المدنيين)، كما يوضح وزير خارجيَّة بريطانيا وليم هيج إلى أن دور حلف الناتو "سوف يستمر ما دامت هناك ضرورة" وهو ما يشير إلى أن بقاء حلف الناتو مهيمنًا على الفضاء الليبي هو أمر مستمرّ إلى أجل مفتوح وغير مرهون بإرادة الشعب الليبي، وهو ما يؤكده رفض الناتو وأمريكا مناداة المجلس الانتقالي الليبي وكذلك كل من روسيا والصين وتركيا بضرورة رفع الحظر الجوي المفروض على سماء ليبيا.
قواعد عسكريَّة
وبحسب المراقبون فإن أمريكا تخطط للبقاء في ليبيا إلى أمد طويل، وذلك تحت ستار حلف الناتو، مستخدمة ذريعة بقايا نظام القذافي تارة، وفزاعة الإسلاميين ودعوى تعاونهم مع تنظيم القاعدة تارة أخرى، وذلك بهدف البقاء وإقامة قواعد عسكريَّة على البوابة الغربيَّة لمصر في حدودها مع ليبيا، لتضاف إلى جملة قواعدها العسكريَّة في شمال إفريقيا.
ويوضح هؤلاء أن أمريكا لن تتنازل عن بناء قواعد لها في شمال إفريقيا، خاصة وأنها سبق لها وأن طلبت ذلك من عدة دول بالشمال الأفريقي وكان الجواب في حينها هو الرفض، ولكن الآن حانت الفرصة لتطويق دول الجوار وخاصة مصر بقواعد عسكريَّة يمكن استخدامها في أي وقت، لا سيَّما وأن أمريكا قلقة من التحول الديمقراطي الذي تشهده مصر وتحاول بشتى الطرق ترويض المارد المصري لتجد ثغرة تدخل منها وتعود مصر تحت الوصاية الأمريكيَّة مرة أخرى.
تغييب متعمد
ومن أجل البقاء في ليبيا منفردة تسعى الدول الغربيَّة بشكل عام وأمريكا بشكل خاص إلى تهميش الدور العربي وذلك بعد أن اتخذته ذريعة لإضفاء الشرعيَّة على عملياتها العسكريَّة ضد نظام القذافي، حيث استبعد القرار (2009) الجامعة العربية من لعب أي دور فعال في مرحلة بناء النظام السياسي الليبي الجديد، وهو ما وصفه المحللون بأنه تغييب متعمد لدور الجامعة مقارنة بما كان مطلوبًا منها قبل الحرب مباشرة من إعطاء شرعيَّة إقليميَّة ودوليَّة لدخول حلف الناتو إلى المسرح الليبي وبنص صريح في قرار مجلس الأمن (1973) والذي منح الناتو الضوء الأخضر للتدخل في ليبيا.
ويؤكد هؤلاء أنه يجب على الجامعة العربيَّة ألا تكتفي بدور "المسهل" لعملية إعادة فرض الوصاية على ليبيا، ولكن عليها أن تمدّ الوصال إلى المجلس الانتقالي الليبي والفعاليات السياسيَّة والمجتمع المدني الجديد في ليبيا لمساعدتهم على الانتقال من المرحلة الثورية إلى مرحلة الوفاق وبناء المؤسسات الديمقراطية، وألا تستسلم لعمليات التهميش المتعمد التي يمارسها الغرب ضدها خاصة في هذه المرحلة.
مفترق طرق
وفي النهاية يرى المراقبون أنه على الرغم من نجاح الثورة الليبيَّة في الإطاحة بنظام القذافي إلا أنها لا تزال على مفترق طرق بسبب المساعي الغربيَّة لفرض الوصاية على الشعب الليبي، فهل تصبح ليبيا موطئ قدم جديدًا للثلاثي أمريكا ــ بريطانيا ــ فرنسا على ضفاف جنوب البحر المتوسط ؟ وهل نشاهد عودة القواعد العسكرية والجواسيس وطائرات الـDronesالتي تحصد بلا هوادة المدنيين كما نشاهد في أفغانستان وباكستان والعراق والصومال ؟ وقد تعمد من صاغوا القرار رقم 2009 أن يضعوا فيه العديد من الثغرات التي قد تسمح بعمل الحلف لأجل مفتوح.
أم ينجح الثوار الليبيون والمجلس الانتقالي الليبي في الحفاظ على ثورتهم وممتلكات ومقدرات شعبهم، والحفاظ على هويتهم العربيَّة والإسلاميَّة، ويرفضوا الاستسلام للضغوط الغربيَّة الراغبة ليس فقط من أجل استعادة كل دولار تم إنفاقه من أجل الإطاحة بنظام القذافي وبأضعاف مضاعفة، ولكن أيضًا من أجل السيطرة على مقدرات الشعب الليبي وفرض الوصاية الغربيَّة والأمريكيَّة عليه؟!!


أيمن بريك

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢